من الطبيعي جداً اشتكاء بعض الأزواج من حديث الزوجات الذي لا تحده نهاية، وقدرتهن على الكلام حتى ساعات طويلة دون كلل، والذي قد يصبح مصدر إزعاج بالنسبة لهم، ولكن من غير الطبيعي أن يشتكي بعض الأزواج من الحالة المضادة المعروفة باسم "الزوجة الصامتة" والتي نادراً ما تتفوه بكلمة أو تفتتح حواراً، فهذا الصمت المريب يجعل من بعض الزوجات مثل قطعة جليد صماء، في بيت خالٍ من ألوان الحياة.
يقول خبراء اجتماعيون إن صمت الزوجة قد يكون متوارثاً أو مكتسباً، ففي الحالة الأولى يكون الصمت هو سمةٌ من سماتها في كافة مراحل حياتها، فتكون زوجة قليلة الحديث، وسريعة سرد الأحداث، ولا تجيد صنع الجذب ودس الضحك في حديثها فيغلب على حديثها الجدية وعدم والبساطة والنهايات السريعة، التي عادةً لا تحتاج لردود فعل من قبل الزوج.
أما في الحالة الثانية، وعندما يكون صمت الزوجة مكتسباً، فهذا يعني تعرضها لمواقف صادمة جعلتها تفضل الصمت عن الحديث، ففي هذه الحالة يتطلب من الزوج الوقوف على تحليل هذا الموقف من قبل الزوجة وعلاجه لوقف تداعيات صمتها الذي سينعكس على الحياة الزوجية بشكل كبير.
"كنت مرحة جداً"
"صفاء" هو اسم مستعار لفتاة تبلغ 21 عاماً، تزوجت قبل 3 سنوات ولديها طفلٌ واحد، تقول إنها ومنذ نحو أكثر من عام وهي تعيش في حالة صمت خلال مجالستها مع زوجها ونقاشها معه، رغم أنها لم تكن بهذه الحالة قبل الزواج.
تقول صفاء لـ"فلسطين": "قبل زواجي كنت مرِحة جداً، أتحدث بشكل مستمر مع الآخرين وأفتح نقاشات وحوارات وأتبادل أطراف الحديث بشتى أنواعه، ولكن بعد الزواج دخلت في حالة صمت بسبب ردود فعل زوجي الغريبة".
وأوضحت أن زوجها كان يتخذ من حديثها الجانب السيئ منه، وكان يفهم أفكارها بشكل لا تقصده، مضيفةً: "في إحدى المرات قلت له إن والدتي تصنع أشهى طعام في العالم، وقد فهم من هذه العبارة أنني ألمز على والدته وأتهمها بصنع طعام رديء، وقد انتهى النقاش بمشكلة استمرت أياماً من المقاطعة بيننا، وفي مرة أخرى، أخبرته أن شقيقه يمتلك ذوقاً رفيعاً في اختيار ملبوساته، وحينها اتهمني بأنني أصفه بعدم امتلاك الذوق في اختيار ملبوساته".
وتابعت صفاء: "كل شيء أصبح يُفهم بشكل سلبي، دون أن أكون أقصد ذلك على الإطلاق، حتى وجدت الحل الذي يبقي السلام بيننا وينهي الخلاف، وهو الصمت، والرد على حديث زوجتي بإجابات مختصرة للغاية، حتى لا يسيء فهم حديثي فندخل في خلاف آخر".
أما الشاب "شادي" (29 عاماً) الذي يعمل محاسباً في شركة خاصة بغزة، يشتكي من ذات المعضلة، فزوجته صامتة طوال الوقت، ورغم أنه دائماً ما يبدأ بتجاذب أطراف الحديث، إلا أنها عادةً ما تتفاعل بشكل سطحي وردود فعل بسيطة لا تتسم بالتفاعل.
يقول "شادي" لـ"فلسطين": "حاولتُ البحث عن سبب هذه المشكلة ولكن لم أجد شيئاً، حتى توجهت لإحدى صديقاتها اللواتي تتحدث معهن دوماً علني أجد حلاً، فأخبرتني أن زوجتي تخشى الحديث معي بسبب الفجوة العلمية؛ حيث إنني أنهيت درجة الماجستير فيما هي لا تملك أي شهادة جامعية، لذلك فهي تفضل الصمت عن كشف الفجوة الثقافية بيننا".
أسباب وحلول
أستاذ علم النفس الاجتماعي د. درداح الشاعر، يرى أن هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء ما يسمى بـ"الخرس الزواجي"، أهمها سوء فهم الزوج لحديث الزوجة وسوء إدراكه لبعض المصطلحات التي تخرج من لسانها, الأمر الذي يدفع الزوجة لتفضيل الصمت عن الكلام على ألا تقع في مشكلات مع الزوج.
ومن بين هذه الأسباب أيضاً، قال الشاعر لـ"فلسطين": "عجز المرأة عن التعبير عن مشاعرها وافكارها يجعلها تلجأ للهدوء خوفاً من الوقوع في سوء الفهم، وهذا ما يحدث عندما يكون الزوج مستعجلاً غير صبور ويأخذ من الكلام قشوره ويخلف المشكلات لأسباب تافهة".
وأضاف: "كذلك إذا كان هناك أطراف أخرى تتدخل باستمرار في حياة الزوجين، فقد يدفع هذا الزوجة إلى الصمت وعدم الحديث أو فتح الحوارات مع زوجها، خوفاً من انتقالها إلى الأطراف الأخرى خاصة لو كانت هذه الحوارات تتسم بالحوارات الزوجية الخاصة".
نصح أستاذ علم النفس الاجتماعي، الزوج بالعمل وفق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم)، وقال: "النقطة الأساسية هنا أنه يجب أن يكون الزوج على دراية وبصيرة بزوجته وأفكارها وأن يأخذ من الحديث جانبه الإيجابي لا المظلم".
وتابع الشاعر: "حتى وإن تعثرت الزوجة في الكلام فيجب على الزوج أن يغفر لها وأن يصفح عن زلاتها، لأنه صاحب الخبرة والتجربة في الحياة وهنا تتخلى فكرة القوامة، لذا أنصح الزوج باللطف مع الزوجة وأن يستوضح الكلمات والجمل في معانيها الصحيحة لعدم الوقوع في الأخطاء والمشكلات التي تؤثر سلباً على الحياة الزوجية".