دفع التسخين الميداني والكلامي بين المقاومة والاحتلال خلال الأسبوعين الماضيين إلى استنفار الوسطاء بمن فيهم الوفد الأمني المصري، في محاولة للحيلولة دون تدحرج الأوضاع نحو مواجهة، في توقيت حرج للاحتلال، قبل موعد الانتخابات الإسرائيلية، وفي ظل الغليان الذي تشهده المنطقة عموما.
وقد شكلت المقاومة الخشنة باستخدام البلالين المتفجرة، الرسالة الأبرز التي أرادت حماس إيصالها للاحتلال والوسطاء، ومفادها: أن أيام الانتظار قد ولت، ولن يكون هناك تفاهمات تهدئة أو حالة من الهدوء في حال لم يكن هناك مقابل ملموس على الأرض، في حين ارتفعت وتيرة التهديد من قادة الاحتلال، وكان أشدها تلك التي جاءت بنكهة انتخابية، على لسان وزير الحرب نفتالي بينت ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
في هذه الأثناء أثارت الأنباء التي نشرت الثلاثاء نقلًا عن مصادر مصرية، والتي أشارت إلى نجاح القاهرة في منع (إسرائيل) من اغتيال شخصيات كبيرة في حماس، قيل إنها رئيس المكتب السياسي لحماس يحيى السنوار، ونائب القائد العام للقسام المجاهد مروان عيسى العديد من التساؤلات، من أهمها: هل من مصلحة (إسرائيل) القيام بمثل هذا العمل؟
للإجابة عن هذا السؤال ينبغي تسليط الضوء على سلوك الطرفين: الاحتلال والمقاومة، حيث اتبعت الأخيرة خلال الأسابيع الأخيرة سياسة إدارة الضغط على الاحتلال والوسطاء، من أجل تغيير سلوكهم المتجاهل لحقيقة: أن بقاء الوضع في غزة بنفس المعطيات والظروف يعني أنه لا تهدئة ولا هدوء، وهي سياسة، أثبتت نجاحها في دفع الاحتلال لتنشيط عقله وتحفيز الوسطاء للبحث عن حلول وعدم الاكتفاء بإطلاق الوعود أو التهديدات.
في المقابل يحتاج الاحتلال لكسب الوقت، لتمرير جولة الانتخابات المقررة مارس القادم، وعليه انتهج الوسطاء وتحديدا الوسيط المصري، سياسة إدارة الوقت مع غزة وصولا إلى موعد الانتخابات الإسرائيلية، لسببين:
الأول: لقناعة الوسطاء أنه ليس بمقدور قيادة الاحتلال الحالية وفي ظل الأزمة الانتخابية التقدم بخطوات جوهرية لتفكيك حصار غزة.
الثاني: منعا لتفجر مواجهة في توقيت غير مناسب للأطراف كافة.
يتضح من خلال معطيات اللحظة الراهنة أن فرص استجابة الاحتلال لمطالب المقاومة أعلى من مخاطر المواجهة العسكرية، لكن هذه الفرضية مرتبطة بقدرة حماس والفصائل على إجادة إدارة الضغط، ومنع الأفعال الارتجالية خارج غرفة العمليات المشتركة والتوافق الفصائلي.
حتى الآن نجح الضغط الناعم، في تحول الاحتلال من إطلاق التهديدات إلى البحث عن آليات لاحتواء جنون غزة، وعلى سبيل المثال أعلن منسق الأنشطة لحكومة الاحتلال في الأراضي المحتلة، أنه نظرًا للهدوء النسبي في غلاف غزة في الأيام الأخيرة وتوقف البالونات المتفجرة -تقرر توسيع منطقة الصيد إلى 15 ميلاً بحرياً ابتداءً من اليوم الأربعاء، وإضافة 2000 تصريح عمل لتجار جدد من سكان غزة للعمل في فلسطين المحتلة عام 48.
وتشير المصادر العبرية إلى أن القرار الإسرائيلي المركزي بشأن التسهيلات في غزة، زيادة حصة العمال إلى 7000 تصريح، وهو أكبر عدد من التصاريح في السنوات الأخيرة.
ورغم ذلك يبقى عنصر المفاجأة قائمًا فيما لو فكر الاحتلال في تنفيذ جولة تصعيد مباغتة، ضد المقاومة، خصوصًا في ظل الصراع داخل الكيان، أو نتيجة سوء تقدير لسلوك المقاومة.
حتى ذلك الحين ستواصل المقاومة إدارة الضغط على الاحتلال لإجباره على تنفيذ خطوات جوهرية في تفكيك حصار غزة، ودفع الوسطاء إلى مواقف أكثر حسمًا وعدم الاكتفاء بنقل الرسائل.