يوم الجمعة الماضي شارك وفد من شخصيات فلسطينية، من بينها قيادات في السلطة، في لقاء مع شخصيات صهيونية، تحت مسمى (برلمان السلام) في تل أبيب، وبدعوة من (لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي) في منظمة التحرير، وقبلها بأيام وصف كبير المفاوضين صائب عريقات اللقاء الذي جمع بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان وبنيامين نتنياهو بأنه طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني.
ويوم أول أمس السبت قمعت أجهزة أمن السلطة وقفة ضد صفقة القرن نظمها حزب التحرير في مدينة جنين، ورشت عناصر الأجهزة وجوه المشاركين بالغاز واعتدت على بعضهم بالضرب، رغم أن من تابع خطاب محمود عباس الأخير في مجلس الأمن، وتأكيده تمسك السلطة بالمنهج السلمي، ونبذ العنف مهما كانت الانتهاكات الممارسة ضد الشعب الفلسطيني، سيتخيل أن عناصر السلطة ملائكة في ثياب بشر، لا يقربون السلاح ولا يقارفون أيّ مظهر للعنف والعدوان!
ولنا أن نتساءل إزاء هذه المفارقة: ماذا لو تعاملت السلطة مع وفد التطبيع الذاهب إلى تل أبيب بشيء من الصرامة التي تعاملت بها حينما قمعت وقفة حزب التحرير، أو حينما عذبت المقاومين في سجونها؟!
كيف لكبير المفاوضين صائب عريقات أن يصف لقاء البرهان بنتنياهو بالطعنة في الظهر، فيما محمود عباس التقى بمجرم الحرب أولمرت في نيويورك؟ وكيف ستكون حجة الفلسطينيين قوية في إدانة وتجريم تطبيع العلاقات السياسية بين دول عربية وكيان الاحتلال فيما السلطة تمارس الأمر ذاته؟
يدرك من يتابع النشاط الإعلامي لمروجي التطبيع من العرب، كيف يستشهدون بسلوك السلطة لتبرير سقطاتهم، رغم أن ما يفعله المطبعون العرب أكثر من مجرد الترويج للتطبيع، ذلك أنهم ينسفون رواية الحق الفلسطيني برمّتها، ويعطون كيان الاحتلال أحقية في احتلاله وممارساته الإجرامية، ويجرّمون الضحية، وينفون حقها في الدفاع عن نفسها. لكنّ ما يجرئهم على التمادي بهذه الوقاحة سلوك السلطة السياسي، ورزمة الاتفاقات السياسية والأمنية التي وقعتها مع كيان الاحتلال، وما تزال تصرّ على التمسك بها حتى اللحظة، وبعد انهيار كل ما راهنت على إمكانية تحصيله مقابلها.
التناقض ذاته ينسحب على الإغراق في خطاب الاستعطاف والاستكانة أمام العالم، وفي جعل تجريم المقاومة المسلحة جزءاً من الثوابت الجديدة للسلطة، فيما تبرز العضلات والأنياب عند الحاجة للاستقواء على الشعب، أو تثبيت معادلة أن الضفة الغربية مزرعة لحركة فتح وحدها، وأنه إما أن يكون كل فعل برعاية الحركة، أو لا يكون، هذا السلوك أيضاً لا يبعد كثيراً عن نظيره لدى معظم الأنظمة العربية المجاورة، التي راكمت أسلحتها على مدار عقود دون أن تطلق رصاصة واحدة على كيان الاحتلال، فيما أغرقت شعوبها بالدم والمجازر.
حجم التناقضات في المشهد الذي تتحرك ضمنه السلطة كبير جدا، لكن الأخطر من هذه التناقضات، هو إصرارها على إدامة حالة العجز والشلل في مفاصل القضية الفلسطينية، فهي لا تريد أن تفعل شيئاً لمواجهة تطبيقات صفقة القرن، ولا تريد لغيرها أن يفعل، ليست مستعدة للمقاومة ولا تريد لغيرها أن يقاوم، ليست لديها نية للشروع بخطوات مواجهة جدية، ولا تريد لغيرها أن يفعل أو يبتكر أو يبادر أو حتى يفكّر.
ثمة شيء واحد تفعله وتحتكره لنفسها، ولا تريد أيضاً لغيرها أن يفعله، وهو نسج العلاقات مع الاحتلال، والتواصل السياسي والأمني معه، أو التفاوض على أي شيء، أو مدّ يد التعاون وإثبات حسن النوايا لبعض أركانه دونما جدوى، ومع اليقين بالسير في متاهة من العبث.