يشكل إعلان صفقة ترامب-نتنياهو وما سيتلوها من خطوات لتغيير الجغرافيا والديموغرافيا في الضفة الغربية والقدس، محطة فارقة ومهمة في مشهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وتعد فرص المقاومة، ونطاقها، وأدواتها، أبرز التحديات التي تفرض نفسها على الفصائل والسلطة والشارع الفلسطيني، فيما تتحسب الأوساط الأمنية والعسكرية الصهيونية من تداعيات الصفقة على المستوى الأمني.
ورغم شعور قيادة الكيان، والأحزاب السياسية بنشوة الانتصار، والظفر بالغطاء الأمريكي للضم، وتوسيع حدود الاستيطان في الضفة الغربية، لكن السفير الأمريكي في الكيان ديفيد فريدمان يحذر من مخاطر إقدام الاحتلال على خطوات احتلال أحادية يمكن أن تضر بخطة ترامب.
ويكشف هذا التحذير لأحد طباخي الصفقة، عن رؤية مرتعشة عند إعداد مقادير الصفقة في مطبخ البيت الأبيض، بأيدٍ صهيونية، قبل تقديمها على الموائد العربية، حيث كان السؤال الساخن لدى الأوساط السياسية والعسكرية الأمريكية والإسرائيلية: إلى أي مستوى يمكن أن ينفجر الغضب الرافض للصفقة؟ وسط مخاوف من تصعيد شامل في الضفة الغربية وغزة، يسانده فعل شعبي عربي وإسلامي.
بعد إعلان الصفقة انحصرت مخاوف الاحتلال بين تهديدين: الأوّل انتفاضة فلسطينية شعبية شاملة، لكن حتى اللحظة لم يقع هذا التهديد؛ في حين تم تفعيل التهديد الثاني المتمثل بعودة العمليات الفردية، وقد شهدت الأيام الأخيرة زخمًا كبيرًا، فخلال يوم واحد أعادت عمليات السادس من شباط، الضفة إلى مسار المواجهة.
لقد أثبتت تجارب سابقة أن المواقف العربية والإسلامية، وحتى المجتمع الدولي، تتأثر بإيقاع مقاومة الشعب الفلسطيني للمبادرات وخطوات فرض الأمر الواقع على الأرض، وعليه فإن المقاومة بأشكالها كافة، هي الخيار الأقوى والأقدر على تعطيل تطبيق الصفقة، وقطع الطريق أمام محاولات الولايات المتحدة خلق بيئة إقليمية ودولية مستسلمة لإرادة الصفقة.
وأمام هذا المعادلة يتحرك خطان لمواجهة تداعيات صفقة القرن: الأول تمثله السلطة التي ما زالت تسعى لاحتواء أي مواجهات شعبية أو عسكرية وتعتمد الجهود الدبلوماسية فقط، والآخر رؤية "حماس" التي ترى في الصفقة فرصة لتفعيل المقاومة بكل أشكالها، بحيث تشمل مختلف الساحات على قاعدة استنزاف الاحتلال، وعدم منحه فرصة لفرض الوقائع الجديدة على الأرض.
ومن العوامل التي يمكن أن تفجر خطوط المقاومة، لجوء الاحتلال إلى القوة المفرطة، ما يرفع عدد شهداء وجرحى الفلسطينيين، ومن ثم يشكّل وقوداً لانتفاضة جديدة. ولهذا قرر الاحتلال، خفض الاحتكاك مع الفلسطينيين، والاعتماد على دور السلطة الفلسطينية في الوقوف بوجه "المتظاهرين".
لكن ما لا يضمنه الاحتلال قدرة المقاومة المراكمة في فعلها الميداني، وفقا للمراحل التي ستمر بها صفقة القرن، ابتداء من الإعلان عنها، وصولا لمراحل التطبيق على الأرض خصوصا في الضفة الغربية.
في المقابل فإن عوامل إحباط المقاومة وإضعافها تتركز في استمرار الانقسام، والتنسيق الأمني، باعتبارهما أبرز تحديين يعوقان تحرر الانتفاضة والمقاومة من قيود الصراع الداخلي، والدور الوظيفي للسلطة.
وبناء على فرص وتحديات المقاومة لمواجهة صفقة القرن، يظل موقف السلطة، ودور حركة فتح حاسمين في تفعيل قدرات المقاومة أو إسنادها، وفي حال نجح التيار السلطوي فرض رؤيته بأي ثمن، فإن فرص مواجهة الصفقة سوف تكون مهمة صعبة، ما يفتح الطريق أمام الاحتلال التقدم نحو فرض وقائع جديدة، أبرزها الضم وتوسيع حدود الاستيطان في الضفة الغربية.