لم تقتصر بنود صفقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التصفوية، على محاولة تصفية ثوابت الشعب الفلسطيني، بل توسعت إلى قطع شريان الحياة عنه أيضًا، حيث شملت الاقتصاد الفلسطيني، بأساليب عدة أبرزها تشديد سيطرة الاحتلال على المعابر.
وتنص بنود صفقة ترامب على أن يعبر جميع الأشخاص والبضائع ما أسمتها "الحدود إلى دولة فلسطين المستقبلية" من المعابر التي تسيطر عليها وستراقبها سلطات الاحتلال، التي تستخدم أحدث تقنيات المسح الضوئي والتصوير، وتؤكد أنه لن يُسمح بإدخال أنواع كثيرة من البضائع بذرائع أمنية.
وأي سلعة يرفض الاحتلال إدخالها، سيحظر تصديرها أيضًا من الأراضي المحتلة سنة 1948م، إلى ما تبقيه الخطة للفلسطينيين من أراض في الضفة وقطاع غزة، إضافة إلى التحكم في جميع ما يستورده الفلسطينيون.
ولا تسمح صفقة ترامب لما أطلقت عليها "الدولة الفلسطينية المستقبلية" بإنشاء أو تشغيل ميناء في غزة في المرحلة الأولى، وتزعم أن سلطات الاحتلال ستوفر للفلسطينيين عبر ميناءي حيفا وأسدود المنشآت الضرورية لاستيراد وتصدير السلع والمواد خلال السنوات الخمس الأولى، وتشترط للسماح لهم بإقامة مرفأ في غزة بعد ذلك ما أسمته "الوفاء" بما قالت إنها "المتطلبات الأمنية" لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وتزعم الخطة أنه سيربط قطاع غزة بالضفة الغربية عبر نفق.
وتزعم صفقة ترامب التصفوية أنه ستبنى طريقان للوصول إلى مصلحة ما تسميها "دولة فلسطين" المستقبلية، وستخضعان لمتطلبات أمن الاحتلال الإسرائيلي، بمزاعم تمكين الفلسطينيين من عبور غور الأردن إلى المعبر الحدودي مع المملكة الأردنية الهاشمية.
الخبير الاقتصادي د. معين رجب يؤكد أن سلطات الاحتلال تسيطر بالفعل على مفاصل الاقتصاد الفلسطيني بالمعابر المتمثلة في حركة البضائع استرادًا وتصديرًا وحركة تنقل الأفراد، وهي تستغل هذا الوضع والخصوصية من طرف واحدة لتبتز الفلسطينيين من وقت إلى آخر.
ويقول رجب في حديثه إلى "فلسطين": "يستخدم الاحتلال هذه الأداة في الوقت الذي يريد وبالطريقة التي يريدها، من منطلق أن العلاقة الراهنة هي علاقة قوية بضعيف لا علاقة متكافئة، فالأمر يتعلق بنا بعدم قدرتنا على التعامل مع هذا الوضع التعاملَ الصحيح أو الذي يمكن أن يجعلنا في وضع أفضل".
ويضيف: "الصفقة تتيح لسلطات الاحتلال الحصول على ما تشاء في الجانب الاقتصادي دون النظر إلى الحقوق المشروعة للفلسطينيين، كأنها تطلق الحرية الكاملة للاحتلال للتصرف كما يشاء، وتشكل له درعًا واقيًا أمام القرارات الدولية، في مقابل تقييد حركة الفلسطينيين".
ويتابع رجب: "تأتي التغييرات من وقت إلى آخر كما هو الحال في صفقة ترامب التي لا تعدو كونها تجسيدًا لما تقوم به سلطات الاحتلال من السيطرة على مزيد من الأراضي وتهجير مزيد من السكان، وهدم البيوت، وهذا يبين إمعان الاحتلال في سياسته المستمرة من طرف واحد بلا هوادة دون الالتفات إلى الطرف الفلسطيني".
ويشير إلى أن الاحتلال يتجاهل الفلسطينيين تمامًا، وجاءت الخطة الأمريكية تأكيدًا وتتويجً للسلوك الاحتلالي في الأراضي الفلسطينية، كما أنها تحمي سلطات الاحتلال من القرارات الدولية التي تؤكد حقوق الفلسطينيين.
"فكَّا كماشة"
من جهته يؤكد الاختصاصي الاقتصادي، سمير الدقران، أن صفقة ترامب تحاول وضع الفلسطينيين بين "فكي كماشة" سياسيًّا واقتصاديًّا، إذ اتخذ الاحتلال أول القرارات هو عدم تصدير المنتجات الزراعية من الضفة والقطاع، ومنع إدخالها، وذلك سيؤثر على الأوضاع الاقتصادية.
ويقول الدقران لصحيفة "فلسطين": "الوضع الاقتصادي سيزداد سوءًا بعد تنفيذ البنود الاقتصادية المتعلقة بصفقة ترامب، وخاصة مع عدم وجود بدائل أو إستراتيجيات اقتصادية لدى السلطة".
ويئن الاقتصاد الفلسطيني في الضفة تحت وطأة اتفاق أوسلو الذي وقعته منظمة التحرير وسلطات الاحتلال سنة 1993م، وما يعرف باتفاق باريس، اللذين بموجبهما أبرم اتفاق تعاقدي بين الطرفين بشأن علاقاتهما الاقتصادية، ومكّن الاحتلال من ابتزاز السلطة في رام الله، وأحكم قبضته على إمكاناتها، في حين يفرض حصارًا مشددًا على قطاع غزة.
ويرى الدقران أن أولى نتائج صفقة ترامب بدأت تظهر بمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي إدخال المنتجات الزراعية الفلسطينية إلى الأراضي المحتلة سنة 1948م، تنفيذًا لقرار أصدره وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت.
وبشأن وجود بند ضمن ما اقترحته صفقة ترامب، عن منع إدخال مواد وبضائع بذرائع أمنية، يرى الاختصاصي الاقتصادي أن ذلك جاء دورًا تكميليًّا للولايات المتحدة، لتضييق الخناق أكثر على الاقتصاد الفلسطيني.
ويوصي الدقران بالعمل على الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال الإسرائيلي، والتخلص من التبعية الاقتصادية له.