قال الرئيس المؤسس للمؤتمر القومي العربي معن بشور: إن صفقة ترامب التصفوية تلغي وجود السلطة الفلسطينية واتفاق "أوسلو"، والاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير ومصر والأردن، مرجعا ذلك إلى تجاهل الصفقة المزعومة أبسط حقوق الشعب الفلسطيني، وبنود عديدة في الاتفاقات الموقعة.
وأوضح بشور في حوار خاص بصحيفة "فلسطين" أن صفقة ترامب لا تعترف حتى ببعض الجوانب "الهزيلة" لاتفاق أوسلو "المشؤوم"، وتقطع الطريق على أي رهان داخل السلطة، وعلى الصعيد العربي بإمكانية قيام تسوية سياسية بالحد الأدنى من التوازن والعدالة.
واعتبر صفقة ترامب ليست أول محاولة إسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية ولن تكون الأخيرة، فهي في جوهرها تتويج لقرن من صفقات ومشاريع وخطط حاولت إلغاء حقوق الشعب الفلسطيني، مضيفا أنه في هذه المرة تحولت الصفقة إلى مصدر يوحد الموقف الفلسطيني ويحظى بدعم عربي وتحول دولي ملحوظ.
ولفت إلى أن مستقبل مواجهة الصفقة مرهون بوحدة الموقف الفلسطيني، وتجاوز حالة الانقسام وكل تداعياته، وإلغاء كل ما يعيق انتفاضة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس المحتلتين؛ لتتمكن هذه الانتفاضة من تحقيق أهدافها.
وعن تأثير خيار الانتفاضة على التحديات القادمة، رأى المفكر اللبناني أنه لو أتيح للشعب الفلسطيني إطلاق انتفاضة ثالثة على غرار انتفاضة الحجارة عام 1987، وانتفاضة الأقصى عام 2000، فمن المؤكد أنه سيضع المحتل في الزاوية، خصوصا أن هذه الانتفاضة ستجد لها سندا حقيقيا، وقاعدة صلبة للمقاومة في غزة، وحركة شعبية عربية مناهضة ومتفاعلة مع ما يجري في فلسطين.
وأكد أن الانتفاضة قادرة على دحر الاحتلال عن القدس والضفة الغربية على الأقل، وتشكيل رافعة لدور فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 في مواجهة الاحتلال، خاصة أن هذه الصفقة تؤدي في النهاية إلى ترحيل أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني من فلسطينيي الـ48 إلى دول قريبة وبعيدة.
المفاوضات مرفوضة
كما تتطلب هذه المواجهة موقفا عربيا رسميا وشعبيا واضحا وحاسما ضدها باعتبارها صفقة لا تهدد الشعب الفلسطيني وحده، بل تهدد الأمة العربية والإسلامية بأسرها، وهذا يتطلب رفضا لكل أشكال التطبيع، ودعما للمقاومة بكل أشكالها، وفق بشور.
وأضاف أنه على المستوى الدولي ينبغي مواصلة الجهود لتعبئة الرأي العام الدولي، ضد نظام الأبارتهايد الإسرائيلي عبر كل أشكال المقاطعة للاحتلال وعزله دوليا، كما جرى بالنسبة للنظام العنصري في جنوب إفريقيا.
وحول تهديد الصفقة للأمة العربية، قال بشور: إنها تهدد لبنان من خلال ضم "مزارع شبعا وكفر شوبا" للاحتلال، وفرض توطين اللاجئين الفلسطينيين على أرضه، وهو توطين يرفضه الفلسطينيون واللبنانيون معا، ثم من خلال وضع اليد على الثروة النفطية والغازية التي يمتلكها لبنان في مياهه الإقليمية.
وبالنسبة للأردن، يعتقد بشور أن صفقة ترامب تريد جعله وطنا بديلا للفلسطينيين، وتسهم في خلخلة العلاقات الداخلية فيه، ناهيك عن انتهاكها لاتفاقية "وادي عربة" نفسها التي يعتبرها الأردنيون اتفاقية منافية لالتزاماتهم الوطنية والقومية.
أما بالنسبة لسوريا، فالصفقة تكرس سيادة الاحتلال على الجولان المحتل، وتشجع بشكل غير مباشر على استمرار الحرب على سوريا انطلاقا من موقفها الداعم للمقاومة، بحسب بشور.
وفي مصر تشكل الصفقة، حسبما ذكر، انتهاكاً للسيادة المصرية، حيث تسعى لاقتطاع أرض مصرية بحجة إقامة دويلة فلسطينية عليها، مبيناً أن الصفقة تتعارض حتى مع اتفاقية "كامب ديفيد" التي جاء في أحد نصوصها احترام حقوق الشعب الفلسطيني، فيما بالنسبة لدول الخليج فالمطلوب تمويل هذه الصفقة ودفع مبلغ 50 مليار دولار من أموالها.
وأضاف بشور أن الأمر نفسه ينطبق على دول عربية وإسلامية تمتد من أقصى المغرب العربي إلى إندونيسيا "لذلك نجد موقف الدول الإسلامية عموما لاسيما الدول الرئيسة الخمس: ماليزيا وإندونيسيا وتركيا وإيران وباكستان حاسما وواضحا ضد هذه الصفقة".
وعلق بشور على استعداد رئيس السلطة محمود عباس للمفاوضات مع الاحتلال، برفض الفكرة من الأساس؛ كون وجود الاحتلال غير شرعي وغير قانوني من حيث المبدأ، ومن الناحية الواقعية فإن الدور الوظيفي للاحتلال يحتم عليه رفض أي حلول سياسية، بالتالي المفاوضات بالنسبة إليه ليست إلا فرصة لكسب الوقت والاستمرار في تنفيذ مشروعه الرامي لتوسعة المستوطنات.
الوحدة والمقاومة
وبشأن مستويات التحرك، رأى بشور أن مواجهة صفقة ترامب تتطلب تحركا على جميع المستويات السياسية والميدانية والاقتصادية والإعلامية والدبلوماسية والقانونية، فكل عنوان من هذه العناوين يمكن أن تندرج تحته مجموعة إجراءات "لكن حجر الزاوية في الأمر هو الموقف الفلسطيني الموحد الذي يتجاوز الانقسام، ويحقق الوحدة الحاضنة للمقاومة".
وأعرب عن اعتقاده بأن فرص فشل الصفقة أكثر من نجاحها، لأنها تتحدى مشاعر الشعب الفلسطيني وحقوقه ومشاعر الأمة العربية والإسلامية وإدراكها لأهمية القدس وفلسطين في حياتها، كما أنها تتحدى القانون الدولي وكل المواثيق والأعراف والقرارات الدولية.
وعن لقاء رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، مع رئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان في أوغندا، والحديث الإسرائيلي عن جهود لتطبيع العلاقات مع المغرب، نبه بشور إلى أن هذا التوجه ليس جديدا، فهناك علاقات سرية وعلنية قامت عبر العقود الماضية بين الاحتلال وعدد كبير من الحكام العرب.
ولفت إلى أن موقف أبناء الأمة العربية يرفض هذه العلاقات، ففي السودان مثلا منذ أن تسربت أخبار اللقاء بين البرهان ونتنياهو والسودانيين بمعظم قواهم وشبابهم وشخصياتهم أدانوا اللقاء، وقد يكون لهذه الإدانات ترجمة عملية.
أما في المغرب فسيشهد الأحد القادم مسيرة مليونية على غرار المليونيات الماضية تعلن موقف الشعب المغربي من صفقة ترامب وكل محاولات الاختراق الإسرائيلية للجسم السياسي والاجتماعي المغربي.
وفي هذا الإطار، رأى أن الاحتلال لم يحقق أي اختراق تطبيعي جدي؛ لأن الدول التي يتحدث حاليا عن التطبيع معها قامت بمثل هذه الخطوات منذ عقود وكان له فيها مكاتب اتصالات من المحيط إلى الخليج، لكنه اضطرت لإغلاقها بفعل انتفاضة الأقصى، بالتالي محاولة الاختراق التطبيعي هي قديمة جديدة.
وعن اجتماع وزراء الخارجية العرب بعد مؤتمر الإعلان عن صفقة ترامب، اعتبر البيان الختامي للمؤتمر أقل بكثير مما يريده الفلسطينيون والعرب، لكنه أفضل مما كانوا يتوقعونه من نظام رسمي عربي وقع منذ احتلال العراق عام 2003 تحت أسر الإملاءات الأمريكية، وتواطأ مع الاحتلال.
وبشأن موقف الاتحاد الأوروبي من الصفقة، والذي يتبنى خيار "حل الدولتين"، قال المفكر اللبناني: إن الأساس في موقفنا نحن كفلسطينيين وعرب بمقدار ما نثبت وجودنا وتتضح مواقفنا ونعزز وحدتنا ينعكس على الموقف الأوروبي والعالم الذي لا يأبه بالشعوب الضعيفة، ولا يأبه بحقوق ليس هناك من يدافع عنها، مشيرا إلى أن الموقف الفلسطيني الموحد والدعم العربي الواضح من شأنه أن يؤدي إلى ترجمة مواقف عملية في دعم القضية.
التعامل بمنطقين
ويعتقد بشور أن للصفقة نصوصًا ونوايا تمهيدا لمرحلة مقبلة، لافتا إلى أن مصر كانت وستبقى هدفا للاحتلال لأنها تشكل مركز الثقل وعنصر التلاقي بين العرب في القارتين، وأن الصفقة ألغت كل الاتفاقيات التي عقدت قبلها مع مصر والأردن ومنظمة التحرير.
وشدد بشور على أنه يجب التعامل مع الصفقة بمنطقين، الأول عدم التهويل منها، فرغم خطورة بنودها إلا أنها لا تمتلك الكثير من مقومات النجاح والحياة، خاصة في ضوء التحولات في محور المقاومة، والثاني عدم التقليل من خطورتها، كونها تسعى لانتزاع تنازلات من الشعب الفلسطيني، وعلى كل حال يمكن إسقاطها كما أسقط اللبنانيون صفقة 17 مايو/ أيار 1983.
واتفاق 17 أيار هو اتفاق لخلق علاقة سلمية بين الاحتلال ولبنان أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت عام 1982.
وبعد تصاعد الأحداث الشعبية والمسلحة اتجه الرئيس اللبناني أمين الجميل إلى إعلان إلغاء اتفاق 17 أيار مع (إسرائيل)، وتحت ضغط الرفض الشعبي قامت الحكومة اللبنانية ومجلس النواب اللبناني باعتبار هذا الاتفاق باطلا وقاموا بإلغائه بعد أقل من عام على اعتماده وبالتحديد في 5 مارس/ آذار 1984.