بعد إعلان صفقة القرن وتفاصيل بنودها يقفز السؤال الكبير، كيف يمكن للأمريكان و(إسرائيل) ترجمتها من خطة على الورق الى حقائق على الأرض، بينما الفلسطينيون غائبون عنها ويرفضونها؟
تكشف نظرة سريعة على بنود صفقة القرن التي جاءت تحت عنوان: "سلام من أجل الازدهار"، "رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي"، أن المحاور الأمنية حاضرة في 132 موضعًا من الترجمة العربية.
أي أن الأمن العنصر الرئيس يتمحور حوله تطبيق ونجاح الصفقة، وعند استعراض الإطار الأمني، يتضح أنه يركز بشكل كامل على اشتراطات تجعل البصمة الأمنية الإسرائيلية هي الصفة السائدة، حيث أفردت (القسم السابع) للتأكيد على دور ومركزية التنسيق الأمني سواء من السلطة أو الدول العربية.
ويراهن الاحتلال على سيناريو رفض السلطة السلبي، وضمن هذا السيناريو، لن نشهد تغييرات دراماتيكية، مثل سحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، والتبعية الاقتصادية، وحل السلطة أو انهيارها.
ولا تستبعد الأوساط الامريكية المشرفة مع الاحتلال على تنفيذ الصفقة، تماهي قيادات أمنية ورجال اعمال فلسطينيين، مع رؤية ترامب بحجة أنها الخيار الوحيد المتاح، من أجل الاستفادة من المليارات المرصودة، وصولًا إلى إمكانية حدوث انقلاب على الرئيس حال رفض تنفيذ المتطلبات الأمنية.
وقد أثارت زيارة مديرة المخابرات المركزية الأمريكية إلى رام الله واللقاء مع ماجد فرج بعد اعلان الصفقة، تساؤلات حول مستقبل العلاقة مع واشنطن واستمرارها في شقها الأمني على الأقل، وهي مظلة للتنسيق الأمني مع الاحتلال.
ان مخاطر ترجمة الصفقة على الأرض كبيرة، وذلك بسبب عدم اقدام السلطة وحركة فتح، على تقديم برنامج واضح مع فصائل المقاومة لمواجهة الصفقة، خصوصا بعدما ألغت زيارة وفد المنظمة لغزة.
كما يثير موقف عباس في خطابه امام الجامعة العربية، شكوكا سياسية، لعدم اعلانه صراحةً أنّه قرّر إلغاء التّنسيق الأمنيّ، والانسِحاب من اتّفاق أوسلو وجميع الالتِزامات المُترتِّبة عليه، واكتفى بالقول إنّه قرّر قطع جميع العلاقات مع دولة الاحتلال بما فيها العلاقات الأمنيّة.
ميدانيا، أظهرت تعميمات السلطة على أجهزتها الأمنية نيتها الإبقاء على التنسيق الأمني، بحسب ما نقلت وسائل الاعلام عن مصادر فلسطينية، كما أوصت قيادة السلطة بعدم الدفع بالتصعيد الميداني في الضفة خشية تدهور الأوضاع، والذهاب إلى انتفاضة جديدة لا يمكن السيطرة عليها.
استمرار التنسيق الأمني، سيختبر مدى صمود مرحلة الاجماع الفلسطيني -سلطة ومقاومة- على رفض صفقة القرن، لأنه سرعان ما سيظهر التباين حول سبل مواجهة تطبيق الصفقة، فلا يبدو ان قيادة المقاطعة بوارد الاقدام على خطوات جوهرية تغير الدور الوظيفي للسلطة.
إن الاعلان الشفهي المتكرر لعباس أن الاتفاقيات مع الاحتلال بما فيها الأمنية لم تعد قائمة، بحكم الامر الواقع الذي فرضته الصفقة، يعطي نتيجة أسوأ من التنسيق الأمني، وهي: أن أي جهد أمني فلسطيني بعد إعلان الصفقة، يندرج في إطار "التطوع الأمني"، لخدمة تنفيذ صفقة القرن، والتصدي لمقاومتها.
النتيجة الأخرى، أن أهم ضربة يمكن أن تتلقاها صفقة القرن وتعطل تنفيذها هي وقف الرئيس عباس تقديم المعلومات التي "لم يكن يحلم بها نتنياهو.