من أشهر النصوص التي نُقلت عن جبران خليل جبران، نصيحته عن "نصف الحياة"، إذ يقول: "لا تعش نصف حياة ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حل ولا تقف في نصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم ولا تتعلق بنصف أمل (...)، إذا رضيت فعبر عن رضاك ولا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت فعبر عن رفضك لأن نصف الرفض قبول، النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها وهو ابتسامة أجلتها (...)، النصف هو أن تصل وألا تصل، أن تعمل وألا تعمل، أن تغيب وأن تحضر، النصف هو أنت عندما لا تكون أنت لأنك لم تعرف من أنت (...)، نصف شربة لن تروي ظمأك، ونصف وجبة لن تشبع جوعك، ونصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة، أنت إنســان وُجدت كي تعيش الحياة، وليس كي تعيش نصف حياة".. التقرير التالي عن هذا النصف واليأس قبل الوصول للهدف..
لماذا القبول؟
الشابة "نسمة صافي" ترى أن الرضا يختلف عن القبول بالواقع أيًا كان، فالإنسان عليه أن يعمل ويبذل قصارى جهده ليحقق الأفضل ثم يرضى بما قسمه الله له، أما القبول بالواقع بما هو عليه دون تطوير وعمل، فهذا أحد أشكال الاستسلام.
وتقول: "القبول بالأنصاف يعني تضييع الكثير من الفرص، وعدم تحقيق أي شيء كما هو مطلوب، ولا الوصول للأهداف"، مضيفة: "من يقطع جزءاً من المسافة ثم يتوقف، يكون قد أنهك نفسه بلا فائدة، إذ خسر طاقته ولم يصل لمراده".
وتتابع: "هذا ينطبق على كل شيء، كالأهداف الكبيرة في العمل، والدراسة، والعلاقات الاجتماعية، والمواقف الحياتية".
وتوافقها الرأي "شيماء عبيد"، إذ تقول: "أحرص دوماً على أن أعمل حتى آخر نفس، وأصمم على تحقيق ما أريده بكل طاقتي لأصل لنهاية أرضى عنها، ولا أقبل مطلقاً بمبدأ الرضا بالقليل طالما لدي القدرة على المزيد".
وتضيف: "مهما بلغ التعب من أجل تحقيق الهدف، ينبغي ألا يكون سبباً في الاستسلام واليأس، وألا يدفعنا لتبني مبدأ الرضا بالقليل وأن ما وصلنا إليه يكفي، أو لاتخاذه حجة لعدم المواصلة"، متابعةً: (لماذا أرضى بالقليل طالما أنا قادرة على العمل والإنجاز؟).
حافزٌ للمواصلة
يقول رئيس مجلس إدارة مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات الدكتور درداح الشاعر: "خُلق الإنسان ناقصًا بطبيعته، لا يبلغ الكمال في أي جانب، لذا يُوطن نفسه على أن الحياة صحة ومرض وخير وشر، وعلى أنه يضع طموحًا قد يتحقق أو لا يتحقق، وهذه النظرة مرتبطة بعقيدة الإنسان وفكرته عن الحياة وفهمه لكون الإمكانيات فيها ليست تامة ولا مطلقة".
ويضيف لـ"فلسطين": "بالإضافة إلى هذه القناعات، تلعب التربية التي يتلقاها الفرد في طفولته دورا في سعيه في الحياة، وكذلك ما يتعرض له من ضغوط ومشاكل في مختلف الجوانب".
ويتابع: "الأصل دوماً أن النقص يدفع الإنسان للمواصلة لإكماله، أي أن يكون حافزًا له للاستمرار لا للتوقف، لذا يظل الإنسان في حركةٍ دائبة، ولو استسلم فهذا شكل من أشكال السلبية والاكتئاب".
ويوضح الشاعر: "لو سيطرت على الإنسان الأفكار السلبية فستنعكس على شعوره، مما يدفعه للتراجع وعدم مواكبة الآخرين، وتصبح السلبية صفة لكل تفاصيل حياته في العلاقات والمسلكيات والتفكير والإدراك والإنجاز".
ولتجاوز هذه الحالة، ينصح الشاعر من يرى أنه يتوقف في منتصف رحلته للسعي نحو ما يرد أن يرسم طموحه وفقًا لإمكانياته وقدراته، وأن يدرك بأن ثمة أملا بتحقيق الأفضل في المستقبل، وأن الحياة فيها إيجابيات ينبغي السعي لها، وأن يبتعد عن الأفكار السلبية ويحوّلها إلى أفكار إيجابية ولو بأفعال بسيطة، مبيناً: "لا بد من المداومة على الإنجاز، والمبادرة دوماً إلى الأعمال الخيّرة لأنها مصدر للشعور بالنجاح، مع امتلاك إرادة فعل وعمل وإنجاز، وليس مجرد إرادة قوية".