المسيرات والاعتصامات والتظاهرات التي خرجت احتجاجا في شوارعنا كان عنوانها الغضب، البيانات التي صدرت من كل اتجاه، رسميا وشعبيا، كانت تدور حول الغضب، لغة التحليلات التي نظمها الخبراء ومقاولو التعليقات الساخنة كانت تفيض بالغضب أيضا. هل سيتكرر المشهد اليوم، وهل سنرى صورتنا من جديد في مرايا الغضب فقط، والأهم هل تمتلك أمتنا غير هذا الرصيد الضخم من الغضب، هل عجزت عن ولادة سلالة أخرى خالية من (كروموسومات) الغضب، هل أصبح قدرنا أن نغضب.. ونغضب حتى ننفجر، وماذا يفيد الغضب؟. ألم نغضب حين هزمنا في 48 وانتكسنا في 67، وحين جنحنا الى السلام كضرورة، وإلى تسليم واشنطن مفاتيح القضية والى انتظار هدم الاقصى والى تدمير غزة، وإلى آخر المسلسل الذي كان الاحتلال بطله الفاعل.. ونحن على الشرفات نتقطع من القهر والغضب.
خطة الرئيس الاميركي ترامب للسلام في المنطقة، هي باختصار شديد كل ما يريده اليمين الاسرائيلي ولا تراعي أية حقوق فلسطينية ولا حتى أي التزام بالقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة. الرئيس ترامب في خطته هذه، يبدو وكأن من أعدها هو إسرائيلي متطرف، ولهذا كان الإعلان عنها بحضور نتنياهو وغانتس وهما القياديان الأكثر تطرفا، ولهذا كان «الفرح» الإسرائيلي بهذه الخطة، وقد أعلن نتنياهو أنه سيبدأ فورا بالعمل على تطبيق القوانين الإسرائيلية على منطقة الأغوار وشمالي البحر الميت وكل المستوطنات.
ترامب يعتبر «القدس الموحدة» عاصمة للاحتلال كما أن المستوطنات بالضفة الغربية هي جزء من الاحتلال ولا حق للاجئين الفلسطينيين بالعودة. والخطة تتحدث عن دولة فلسطينية في بقايا الضفة الغربية وعاصمتها ضواحي القدس أي خارج قلب القدس، من المناطق المزدحمة بالسكان والتي هي ليست جزءا مما يعتبره الاحتلال عاصمته، وهذا يؤكد تماما المشكلة الرئيسية التي تواجه الاحتلال وهي الكثافة السكانية الفلسطينية، والتي يحاول القفز فوقها لكي يتخلصوا منها.
صحيح، أن نشعر بالغضب فهذا يعني أننا ما زلنا أحياء، ولا تزال مشاعرنا تنبض وتتحرك وتتفاعل، لكن المشكلة هي أننا «أدمنا» على هذا الإحساس، ووقفنا عند حدوده، ولم نتجاوزه إلى ما يفترض من فاعلية وإنتاج.. أو من «غضب فاعل»: يتحرك على الأرض ويؤثر ويقنع الآخرين بأن «حمرة الغضب» لا تقتصر على العيون والحناجر فقط، وإنما الأفعال.
فلرُب ضارة نافعة، قد تدفع الشعب الفلسطيني وقيادته لإعادة النظر في برنامجها وخطط عملها لترتقي إلى مستوى التحدي، خاصة وأنها تملك أوراق قوة تحتاج إلى لملمتها وتوسيع قاعدة شراكتها ووحدة مؤسساتها وتفعيل نضالها الشعبي الكفاحي السِلمي المدني في مواجهة صفقة العار، لذا الرد على هذا المشروع يستدعي قلب الطاولة على الاحتلال، كما حدث في الانتفاضة الكبرى الأولى، والطريق إلى ذلك يتم عبر تعزيز النضال ضد الاحتلال وتفعيل المقاومة المشروعة بكل أشكالها الممكنة، بإشعال فتيل المقاومة وتثوير الشعب الفلسطيني وإعادة الأمور إلى المربع الأول، أي شعب يقاوم الاحتلال، وحل السلطة وإنهاء التنسيق الأمني وإلغاء كل ما ترتب على اتفاقات أوسلو". فلا بد من إبداع وسائل جديدة في المقاومة، تعتمد أساسا على وحدة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والداخل والشتات مع ضرورة ملحّة لوضع أسس جدية لإنهاء حال الانقسام الفلسطيني المريرة، ووضع أسس لترسيخ الوحدة الوطنية، والاتفاق على توجهات كفاحية مشتركة، خصوصاً أن الرهان على استمرار المفاوضات تلاشى".
لقد نجح شعبنا الفلسطيني في إحباط مشاريع ريغان، وبوش الأب، وكلينتون، وبوش الابن، وأوباما، ولكنهم فشلوا في الخروج من مربع إخفاق المبادرات الأميركية وإفشالها أقل القليل أقول بسبب الانقسام الذي استغله الاحتلال بتمرير هذا المخطط الخطير، ولم يصلوا إلى تحقيق إنجازات ملموسة بعد الانتصار الذي حققوه بفعل الانتفاضة الأولى، واليوم يتظاهر ضد مبادرة ترامب هذه يدعو القيادتين وبلا أي تأخير أو مماطلة لبدء العمل الوطني المشترك والموحد لأن ذلك هو الرد الأقوى فعلا على المخططات التدميرية ...!!