نشطت سلطات الاحتلال في الآونة الأخيرة في إصدار قرارات جائرة بحق المواطنين المقدسيين تبعدهم من خلالها عن المسجد الأقصى المبارك، بهدف تمرير مخططاتها التهويدية دون أن تلقى ردة فعل فلسطينية، تقف حائلًا أمام طموحاتها في تحقيق التقسيم الزماني والمكاني للأقصى.
وتطال سياسات الإبعاد العديد من المرابطين والشخصيات المقدسية البارزة كان آخرهم خطيب المسجد الأقصى الشيخ البارز عكرمة صبري، وذلك بعد أن أغاظت الحملات الشعبية الواسعة المناصرة للمقدسات الإسلامية بالضفة الغربية والقدس سلطات الاحتلال.
وقال وزير القدس الأسبق، خالد أبو عرفة، إن سياسة الإبعاد تهدف بشكل أساسي إلى إفراغ الأقصى تمهيدًا لاقتحامات المستوطنين في الأيام القادمة وضمان عدم التصدي لهم، خاصة أن حساسية المسجد عالية لدى الفلسطينيين.
وأضاف أبو عرفة لـصحيفة "فلسطين"، أن الاحتلال يحاول بشتى الطرق السيطرة والتحكم بأدق التفاصيل في الأقصى ومراقبة من يدخل ويخرج منه، بحيث يسمح ويضيق متى شاء على موظفي دائرة الأوقاف الإسلامية ومنعهم من الوجود وتنفيذ أعمال الصيانة بالمسجد، لذلك يلجأ إلى إبعاد أكبر عدد من النُخب لتسهيل هذه المهام.
وأشار إلى غياب الموقف الفلسطيني الرسمي بشكل كامل وافتقاره إلى تنفيذ خطوات حقيقية لإيقاف الانتهاكات بحق المقدسيين، إضافة إلى الموقف العربي المتخاذل والذي يخدم مصالح حكومة الاحتلال.
وعزا وزير القدس الأسبق، اشتداد وتيرة الإبعاد والاعتقالات، إلى محاولات قادة الاحتلال كسب نقاط في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، من خلال التضييق على المقدسيين وتغذية العنصرية وسحق الوجود العربي والفلسطيني في المدينة المقدسة.
وأضاف: "يعي المقدسيون جيدًا المحاولات لكسب مواقف من خلال تمرير الاقتحامات وإبعاد المواطنين عن المسجد الأقصى، وهو ما يجعلهم أكثر جاهزية للتصدي لأي انتهاك".
ونبه أبو عرفة إلى أن الاحتلال في الآونة الأخير يركز قرارات الإبعاد على أعيان ونخب القدس لإرساء شعور الضياع لدى عموم المقدسيين، وإفراغ المدينة من القيادة وصناع القرار والشيوخ".
وتابع: "المقدسيون أثبتوا في أكثر من موقف نضجهم، وما هبة "البوابات الإلكترونية" إلا خير دليل، وهو ما يشكل لدى قادة الاحتلال صدمة تدفعهم لإعادة ترتيب حساباتهم بحق القدس.
سياسة ظالمة
من جانبه، قال إمام وخطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، إن الإبعاد سياسة ظالمة وغير قانونية ولا حضارية، فلا توجد دولة في العالم تستخدم هذا الأسلوب وتمنع الناس من الذهاب إلى أماكن عبادتهم.
وأكد أن كل التُهم الموجهة له ولحراس المسجد الأقصى وشيوخه تُلفق بهدف كسر شوكة الجماهير في القدس وإرهابهم لمنعهم من التصدي لاقتحامات المستوطنين بالإضافة لمحاولات الاحتلال الدائمة قياس ردة الفعل الفلسطينية.
وأضاف الشيخ صبري لصحيفة "فلسطين": "يحاول الاحتلال إخماد أي صوت يخرج لتفادي تكرار أحداث هبة البوابات وأحداث باب الرحمة وكسر شوكة جيشه أمام إرادة المقدسيين".
كانت قوات الاحتلال قد اقتحمت يوم السبت منزل الشيخ صبري وسلمته بلاغ استدعاء للتحقيق صباح أمس في مركز "القشلة" بالبلدة القديمة، وسلمته بعدها قرارًا بإبعاده عن المسجد الأقصى المبارك لمدة أربعة أشهر من تاريخه.
وقال الباحث المقدسي فخري أبو دياب، إن الاحتلال يهدف من وراء الإبعاد إلى فرض وقائع جديدة وإفراغ الأقصى لإقامة كنيس وتأمين عمليات الاقتحام الممنهجة بحقه.
وبيّن أبو دياب لصحيفة "فلسطين"، أن ما يحدث يأتي ضمن خطة ممنهجة بدأت بإبعاد المرابطين وفشلت، بل جعلت الأضواء تتجه نحو الأقصى، ما دفع الاحتلال لإيجاد خطط بديلة ترتكز على إبعاد الشخصيات وممثلي المرجعيات الدينية والسياسية الوازنة.
وأضاف: "يسعى الاحتلال لخلق حالة من الفراغ وزرع شعور الخوف لدى المقدسيين من التوجه للصلاة بالمسجد، والحد من الزيادة الدائمة لأعداد المصلين والمرابطين".
وأكد الباحث أبو دياب أن الاحتلال يسير وفق خطة ممنهجة، غير أن الفترة الأخيرة شهدت بطشًا قويًا ورده فعل عشوائية بعد المشاركة الواسعة من الفلسطينيين في فعاليات القدس وحملة "الفجر العظيم".
وتوقع أن تحمل الأيام القادمة في طياتها ضغوطًا شديدة على المقدسيين وزيادة في وتيرة الإبعاد والاعتقالات، خصوصًا مع محاولات الاحتلال تمرير ما تعرف بـ"صفقة القرن".