دفعت جولة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية قيادةَ المقاطعة في رام الله إلى الاستنفار وتفعيل أذرعها الإعلامية والدبلوماسية من أجل التشويش على لقاءات حركة "حماس" في العواصم العربية والإسلامية، ولهذا الغرض شكلت غرفة عمليات مهمتها وضع الألغام في طريق الجولة.
لجوء قيادة المقاطعة إلى افتعال معارك داخلية ضد خصومها السياسيين مستمر رغم التحديات المتصاعدة التي تتربص بالقضية الفلسطينية، وأخطرها الزحف الاستيطاني والتهويدي غير المسبوق في الضفة الغربية والقدس، ما يثير التساؤل حول سر الخوف والسعار اللذين أصابا السلطة في رام الله عقب جولة هنية.
من أبرز أسباب الهوس الارتيابي تجاه مخاطر ازدواجية التمثيل والبديل أن السلطة استمدت شرعيتها من مصدرين: داخلي، وخارجي.
على المستوى الداخلي أصبحت الانتخابات العامة هي المصدر الرئيس لشرعية الوصول إلى مواقع صنع القرار في السلطة، وليس نظام "الكوتا الفصائلي" السائد في مؤسسات المنظمة، والمستند إلى الشرعية الثورية، وقد تم تعطيل المصدر الانتخابي سواء في السلطة أو المنظمة.
أما المصدر الخارجي فمستمد من اتفاق أوسلو واعتراف الشرعية العربية والدولية به، الذي سبق شرعية الانتخابات، وكان ولا يزال مصدرًا مهمًا، إن لم يكن الأهم لقيادة السلطة.
لكن تراجع دور المنظمة وفصائلها نتيجة هيمنة مؤسسات السلطة على النظام السياسي الفلسطيني، وتآكل شرعيتها بعد فشل أوسلو وبرنامج المفاوضات، والنموذج السلبي الذي مثلته السلطة، قوض شرعية المنظمة.
مستوى القلق في الأوساط الأمنية للسلطة، والتنظيمية في حركة فتح، يعكس الشعور بالعزلة، جراء انحسار دورها في إطار وظيفي أمني، يتآكل مع مرور الوقت، خصوصا في الضفة.
لقد ظهرت أعراض الهوس التمثيلي منذ حضور حماس في المشهد السياسي الفلسطيني بداية الثمانينيات، وتعززت بعد فوز الحركة في الانتخابات التشريعية 2006، وتشكيلها الحكومة العاشرة، ما عدته حركة فتح تجاوزا للخطوط الحمراء، واستدعى القتال من أجل الاحتفاظ بالتمثيل الفلسطيني.
تواصلت المواجهة مع الخصم الداخلي الذي صنعته السلطة باعتباره تهديدا وجوديا، وقد برز هذا الاستعداء خلال جولة هنية الأخيرة، حيث صدرت التعليمات لأحمد عساف مسئول الإعلام في السلطة وأوكل مهمة الهجوم لـ"تلفزيون فلسطين"، ووكالة "وفا" وصحيفة الحياة الجديدة، معتمدا خطاب التخوين والتخويف من مخاطر منافسة "الشرعية"، كما استخدمت السلطة السفارات للغرض نفسه.
لقد نجحت حملات سابقة للسلطة بعرقلة تمدد حماس الخارجي، لكن المهمة تبدو اليوم أصعب، مع إصرار حماس على استثمار وزنها وحضورها في المشهد الفلسطيني، بامتداداته الإقليمية.
كان يمكن لقيادة السلطة تجنيد علاقات حماس الخارجية وحضورها الإقليمي لتنظيم جبهة فلسطينية عريضة، بهدف تحشيد الدعم والإسناد للقضية الفلسطينية ومواجهة الكوارث التي تتهددها، لكن "الكفر عناد"