تتنقل حماس بخطوات حذرة بين عواصم الإقليم المشتعل والمنشغل بصراعاته الداخلية والبينية، من خلال جولة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، الذي ظهر كمن يتحرك في حقل من الألغام، ترصد خطواته بقلق بالغ دولة الاحتلال، وقيادة المقاطعة برام الله.
انطلقت الجولة من القاهرة نهاية 2019 بعد طول تردد، فاتحة الطريق أمام هنية لأول مرة منذ توليه قيادة الحركة، ومتزامنة مع أحداث وتطورات ساخنة، دفعت حماس تحت الضوء.
المحطة التالية، كانت إسطنبول، هنا سترسخ حماس علاقتها مع تركيا بما تمثله من ثقل دولي ظهر بشكل واضح في الأزمة السورية والليبية.
وقد كشفت لقاءات وفد حماس برئاسة هنية مع الرئيس رجب طيب أردوغان وعدد من المسئولين الأتراك، عن مستوى الاهتمام التركي بالدور الفاعل الذي تلعبه الحركة في المشهد الفلسطيني، وجرى التأكيد على المضي قدما في تفعيل الحضور التركي في الملفات الفلسطينية الملحة: الانتخابات الفلسطينية، والتصدي للمخططات الاحتلالية في الضفة والقدس، وكسر حصار غزة.
ثم انتقلت حماس إلى محطة الدوحة الضالعة بأدوار متعددة في القضية الفلسطينية، وقد أضاف لقاء هنية مع الأمير تميم بن حمد، قوة دافعة لتعزيز الدور القطري في دعم جهود كسر الحصار بتجديد التمويل القطري، ومتابعة استحقاقات التهدئة مع الاحتلال.
في هذه الأثناء، وتحديدا في 5 يناير 2020، انفجر لغم كبير في المنطقة، وذلك باغتيال الولايات المتحدة القائد الإيراني قاسم سليماني، الذي لعب دورا مركزيا في دعم المقاومة الفلسطينية.
واجهت حماس خيارات صعبة، لكن قيادة الحركة حسمت قرارها، ووصل هنية طهران للمشاركة في تشييع سليماني على وقع طبول الحرب.
وأمام ملايين الإيرانيين الغاضبين، وعلى مرأى من العالم الذي كان يحبس أنفاسه لمرحلة ما بعد الاغتيال، قطع هنية الشك باليقين، مؤكدا تحالف حماس مع إيران في جبهة المقاومة، مشهد أثار غضب وتحفظ الطائفيين، والموجوعين من الحرب في سوريا، لكنه تطور يرفع مستوى التنسيق بين حماس وإيران استعدادا للمواجهة القادمة مع العدو المشترك (إسرائيل)
وعندما غيب الموت قابوس بن سعيد، سلطان عمان، بعد خمسة عقود في الحكم، فاجأت حماس المتابعين، وهي تحط الرحال في مسقط، معزية بالراحل، ومهنئة للسلطان الجديد الذي استقبل رئيسها استقبالا رسميا، وظهر هنية وهو يفتح ذراعيه، كمن يبحث عن احتضان عربي وإسلامي، يعزز الموقف الفلسطيني، ويدعم صمود شعبنا، بعيدا عن ألغام الاستقطابات والمحاور.
لم تنته جولة هنية.. وربما تحمل خطوات حماس في الأيام القادمة مفاجآت أخرى، وتطأ أقدام رئيسها عواصم لم يتوقعها المراقبون في ظل المشهد الإقليمي المرتبك