جاء الإضراب الأخير الذي خاضته الحركة الطلابية بمختلف مكوناتها في جامعة بيرزيت، مع اعتصام مجموعة من الطلبة داخل حرم الجامعة، ليسلط الأضواء مجدداً على الجامعة التي ظلت وجه الحريات المشرق بين جامعات الضفة الغربية، بعد سلب بقية الجامعات رسالتها النقابية وتجفيف آفاق العمل الطلابي الوطني فيها، وحظر أنشطة العديد من الكتل التي لا تساير مزاج السلطة الفلسطينية، وعلى رأسها الكتلة الإسلامية.
الإضراب الذي استمر خمسة وعشرين يوماً انتهى قبل بضعة أيام، وكان قد بدأ عقب تدخل إدارة الجامعة في نشاط طلابي نفذته الكتلة الإسلامية داخل حرم الجامعة، وإعلانها إخلاء الجامعة من الطلاب، بدعوى تجاوز الكتل الطلابية قرار منع مظاهر العسكرة داخل حرم الجامعة، ومظاهر العسكرة المقصودة هي اللثام التي يرتديه الطلبة في المناسبات الوطنية، ومجسمات الأدوات المقاومة كالصواريخ والبنادق، وهي مجسمات بلاستيكية، بمعنى أننا لا نتحدث هنا عن سلاح حقيقي بل رمزيات وشارات لهذا السلاح.
جاء قرار الجامعة حينها بمنع أي مظهر للعسكرة تحت سطوة ضغوط وحملات إعلامية صهيونية اتهمت إدارة الجامعة بالتغاضي عن النشاط (الإرهابي) للكتل الطلابية في أروقتها، والمقصود هنا بالدرجة الأولى الكتلة الإسلامية، الذراع الطلابي لحركة حماس، ثم القطب الديمقراطي التابع للجبهة الشعبية التي اشترك بعض طلبتها في تنفيذ عملية (عين بوبين) قبل أشهر.
الضغط على جامعة بيرزيت ومحاولة تغيير الحالة القائمة فيها، التي تتيح لجميع الكتل ممارسة أنشطتها بحرية، يعدّ أولوية بالنسبة للاحتلال وأجهزة السلطة على حد سواء، فالاحتلال يرى أن أي مكان تنشط فيه حماس دون قيود سيغدو حاضنة لمقاومته، ولذلك فقد وسّع دائرة استهدافه لنشطائها الطلاب، أما السلطة فلا يروقها أن تظل هناك قلعة في الضفة تتنفس فيها حماس، ولو من رئة صغيرة، حتى لو كان جلّ عملها في هذه القلعة نقابياً وخدماتياً وينحصر داخل أسوارها، فأن تظل الحركة الطلابية في بيرزيت مستعصية على التدجين والإخضاع أمر يزعج السلطة دون شك.
في الإضراب الأخير شاهدنا جميع الكتل الطلابية متوحدة في خطابها وحراكها ومطالباتها، وبغض النظر عن تقييم نتائج الإضراب، فإن الرسالة الأهم له هي إرادة التحدي ورفض الخضوع التي سطرتها الحركة الطلابية، عبر انحيازها لثقافة المقاومة ورفض محاولات تجريمها، ومجابهة سياسات تقييد الأنشطة أو تدجينها، ثم رسالة إظهار المقدرة على الاجتماع على قواسم مشتركة، والترفع عن المناكفات الفصائلية في اللحظات المفصلية لأجل الصالح العام، وهو أمر ينبغي البناء عليه، عسى أن يفرز تفاهمات أوسع داخل إطار الحركة الطلابية، خصوصاً أن أجهزة السلطة تحاول دائماً فرض وصايتها على حركة الشبيبة الطلابية (ذراع فتح الطلابي) والضغط عليه للتماشي مع سياساتها المختلفة، وتحديداً على صعيد العلاقة مع الكتلة الإسلامية، التي تحرص أجهزة السلطة على أن تظل حالة عداء ومناكفة.
بقي أن تدرك إدارة الجامعة ومعها الحركة الطلابية أن تميّز الجامعة وعلوّ شأنها وحسن سيرتها لم يأتِ فقط من مستواها الأكاديمي المتطور، ومن كونها الأولى على مستوى جامعات فلسطين، بل كذلك من طبيعتها المختلفة ومن بقائها ضامنة للحريات الطلابية، ومن إتاحتها ذلك القدر من التكافؤ في العمل النقابي لمختلف الكتل، ومن وعي وريادة حركتها الطلابية، وهذا ما جعلها محط أنظار كثير من الطلاب المختلفين والتميزين أيضا، ممن فضلوها على جامعات الخارج، لأنهم فيها سيتنفسون حرية، وليس غبار سياسات أمنية ترهيبية.
فهل ستحافظ إدارة جامعة بيرزيت على أهم خصائصها؟ وهل سيتطور وعي حركتها الطلابية وتتراكم دروس تجربتها باتجاه مصلحة الطلبة ومصلحة بقائها متميزة وفريدة؟ لعل محطات الاختبار القادمة ستجيب عن ذلك.