تمتد مساحته على آلاف الدونمات، يسكنه آلاف المقدسيين المستهدفين منذ عشرات السنين، فمنازله ومساجده مهددة بالهدم، إنه حي سلوان الملاصق للمسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة، الذي يواجه التهويد الإسرائيلي المستمر.
وموقع الحي الذي يحتضن الأقصى والبلدة القديمة من الناحيتين الجنوبية والجنوبية الشرقية، وأهميته التاريخية، جعلاه في دائرة استهداف الاحتلال، وفق قول المتحدث باسم لجنة الدفاع عن الحي فخري أبو دياب.
ويوضح أبو دياب، الباحث في شؤون القدس، لصحيفة "فلسطين" أن الحي يمتد على 5640 دونمًا، وعدد سكانه وفق إحصائيات 31 / كانون الأول (ديسمبر) 2018م بلغ 56 ألف نسمة، ويضم 12 حارة.
ويؤكد أن الحي موقع الدفاع الأول عن المسجد الأقصى، وهو مليء بالآثار، كالقصور الأموية ومجمع عين سلوان التاريخي؛ أول وقف إسلامي سجل خارج جزيرة العرب في زمن خليفة المسلمين عثمان بن عفان.
ويرفض الاحتلال السماح بترميم الآثار الكنعانية في سلوان، في إطار خططه التهويدية.
يضيف أبو دياب: "في الحي يوجد مسجد عين سلوان التاريخي، وهو أول مسجد يبنى خارج أسوار البلدة القديمة في القدس، ولهذا يستهدفه الاحتلال، ولكثافته السكانية".
ويحاول الاحتلال نسج روايات مضللة، للسيطرة على الآثار، بإسقاط ما يسمى "التاريخ التلمودي" المزعوم عليها لتحاكي حضارة مزورة، قبل استغلالها سياسيًّا ليظهر أمام العالم أن له جذورًا في هذه المنطقة، بهدف السيطرة على الأرض.
ويبين أن 6860 أمر هدم ما زالت سارية المفعول، ويهدد الاحتلال بهدم مناطق كاملة في بلدة سلوان، ومنها أحياء البستان، ووادي حلوة، ووادي الربابة، في وقت تهدد فيه الجمعيات الاستيطانية بالاستيلاء على أحياء أخرى، مثل حي "بطن الهوى"، بزعم أنه "كان ملكًا لليهود"؛ وهو ما ينفيه أبو دياب جملة وتفصيلًا.
وفيما يتعلق بعمليات الهدم يقول: "إن قرابة 50% من منازل حي سلوان مهددة بالهدم، وفي السنوات العشر الأخيرة هدم الاحتلال أكثر من 800 منزل فيه، في حين أغلق 120 محلًّا تجاريًّا، بوسائل ضغط اقتصادية مارستها سلطات الضرائب الإسرائيلية لتحقيق هذا الهدف".
وبشأن التعليم، يوضح أن المدارس المنشأة قبل سنة 1967م بقيت كما هي حتى يومنا هذا، واستولى الاحتلال على أهم مدرسة من طريق جمعية استيطانية، وكان ذلك في إطار "سياسة التجهيل" التي يمارسها الاحتلال.
ويذكر أن طلبة من سلوان لا يدرسون في مدارس الحي، بسبب نقص عدد المقاعد الدراسية، ويضطرون إلى الدراسة في أحياء وبلدات مقدسية أخرى.
وفي سلوان أيضًا مدرسة تحمل اسم الحي، وفق حديث أبو دياب، وهي أول مدرسة فيه، وافتتحت عام 1917م، وصادر الاحتلال 23% من أراضي الحي لمصلحة المستوطنين الذي أنشؤوا 23 بؤرة استيطانية داخل سلوان، باستخدام أساليب متعددة، منها ما يسمى قانون "أملاك الغائبين"، أو "التسريب" من طريق "ضعاف النفوس"، "وعددهم قليل لكنها مؤلمة"؛ كما يقول.
ويؤكد الباحث في شؤون القدس أن لإجراءات الاحتلال وانتهاكاته بحق المقدسيين في سلوان انعكاسات خطيرة على الأوضاع الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، كما في مدينة القدس المحتلة أيضًا.
ويسمح الاحتلال للمستوطنين بالبناء فوق الأماكن الأثرية في البلدة، لكنه يرفض للمواطن المقدسي ذلك، ويطلب منه موافقة من أربع جهات في (إسرائيل) هي ما يسمى: "سلطة الضرائب، وسلطة الآثار، وسلطة الطبيعة، ووزارة الأديان" في حكومة الاحتلال، وذلك بإقرار من "الكنيست".
وأنشأ الاحتلال في الحي أكثر من ثمانية آلاف قبر وهمي، وخمس حدائق توراتية، وتسعة مسارات تلمودية، يمر من فوقها أبرز المشاريع التهويدية (القطار الهوائي)، والأنفاق الأرضية، وعددها ستة، تنطلق من منطقة مجمع عين سلوان صعودًا إلى وادي حلوة وباب المغاربة.
ويقول أبو دياب: "إن أحوال سكان حي سلوان (يطلق عليه الاحتلال مدينة داود) يعانون أوضاعًا نفسية واقتصادية واجتماعية صعبة، بسبب انتهاكات الاحتلال التي طالت المساجد، وعددها ستة فقط في الحي، وهي مهددة بالهدم".
وينبّه إلى أن هدف الاحتلال من كل هذا دفع المقدسيين إلى البحث عن أماكن أخرى للعيش والدراسة والعمل، بعدما هدم مئات المنشآت التجارية لقطع لقمة عيش أصحاب الحي.
وفيما يتعلق بعام 2020م، والتوقعات لمستقبل حي سلوان، يقول: "أخشى أن يكون القادم قاسيًا، نتيجة عدم وجود إسناد حقيقي من المؤسسات الرسمية، الفلسطينية أو العربية أو الإسلامية، لدعم وتمكين صمود أهالي مدينة القدس، وسلوان تحديدًا".
لكن في مقابل ذلك، يعي أهالي حي سلوان تمامًا أن صمودهم سيبقى شوكة في حلق الاحتلال الإسرائيلي، ويعيق مشاريع التهويد، وإن كانوا غير قادرين حاليًّا على إلغائها تمامًا، ويؤمنون بأن وجودهم ورباطهم في القدس واجب شرعي وديني ووطني، كما يقول المتحدث باسم لجنة الدفاع عن حي سلوان.