حبست المنطقة خلال الأيام الماضية أنفاسها ترقبا لشكل ومستوى الرد الإيراني على جريمة اغتيال الولايات المتحدة قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني، بعدما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الوضع في الشرق الأوسط نحو حافة الهاوية.
في حين تقف المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس أمام خيارات صعبة، خصوصا إذا ما اشتعلت مواجهة في المنطقة وكانت دولة الاحتلال جزءا منها، حيث رفعت تصريحات القيادات الإيرانية وحسن نصر الله سقف الرد الإيراني.
الترقب الفلسطيني القلق للمشهد الإقليمي مرتبط أيضا بمؤشرين على تورط دولة الاحتلال مع الولايات المتحدة بالعمل ضد سليماني، حيث تصفه الأوساط العسكرية والأمنية في الكيان بالعدو رقم "1"، وقد حاولت اغتياله لكن ترامب قام بالمهمة نيابة عنها.
المؤشر الثاني يتعلق بتوقيت الاجتماعات المكثفة التي عقدها المجلس الوزاري المصغر "الكابنيت" التي زعم أنها للتشاور حول التهدئة مع غزة، ليتضح لاحقا أنها للتحضير لردود فعل ما بعد اغتيال سليماني، وتوقعات التصعيد من الشمال.
حادثة اغتيال القائد الإيراني ومجموعة من قيادات الحشد الشعبي في العراق أثارت موجة واسعة من ردود الأفعال وتداعيات عاصفة عبر وسائل الإعلام الاجتماعي على المستوى الإقليمي والفلسطيني، تركزت في جزء منها على الجدل حول نعي حماس القائد سليماني ومشاركة رئيس حركة حماس إسماعيل هنية في تشييع جنازته وتعزية ذويه في طهران، حيث تباينت المواقف بين معارض غاضب أو متحفظ لموقف حماس وبين مؤيد، ما يكشف عن توجهات على المستوى الشعبي والنخبوي في المنطقة لا تستوعب طبيعة علاقات وحماس وإيران، ولا تعي حجم ومستوى ونوعية الدعم الإيراني للمقاومة وتحديدا كتائب القسام، وتندرج أيضا في إطار الصراع الطائفي، وتداعيات ثورات الربيع العربي والثورات المضادة.
في المقابل وعلى هامش هذا النقاش الساخن، يتضح حجم وحضور وتأثير حركة حماس الذي يتجاوز مواقف دول في المنطقة لا يقيم الشارع أو المراقبون لموقفها وزنا تجاه هذا الحدث المفصلي، كذلك الحدث محطة لاختبار قدرة حماس على الحفاظ على حضورها الشعبي والرمزي والسياسي في البعد العربي والإسلامي، ويستدعي استثمار علاقة الحركة مع مختلف الأطراف. حيث أثبتت حماس دائما أنها ليست عبئا على أحد في علاقاتها.
لكن قرع طبول الحرب في المنطقة ربما يطغى على جدل يستدعي الصراع الطائفي والقومي، ويعلوه صوت القادة الإيرانيين الذين يؤكدون أن طهران سترد بقوة في الوقت والمكان اللذين تختارهما، ومن المحتمل أن يطال الرد أكثر من جبهة، وبالتالي يبرز السؤال المهم: هل سيشمل الرد الجبهة الفلسطينية وتحديدا قطاع غزة؟
حتى الآن يبرز السيناريو الأكثر حضورا لما بعد اغتيال سليماني، وهو أن ترفض إيران الخيارات (الانتحارية)، لتأخذ وقتا كافيا في تكتيكاتها ضد الحلفاء والمصالح الأمريكية وتكتفي بالرد الرمزي الذي وقع فجر الأربعاء، بحيث تدخل مساومة على وقع التهديد باستمرار الرد، يؤدي إلى الرفع التدريجي للعقوبات الاقتصادية، وانسحاب أمريكا من العراق أو على الأقل إعادة انتشار، وهو سيناريو يفرض على فصائل المقاومة قراءة المشهد برويّة بعيدا عن ردات الفعل المتسرعة أو حرق المراكب في تصعيد واسع مع الاحتلال.
سيناريو آخر وهو الأضعف حضورا أن تلجأ إيران إلى قصف أهداف عسكريّة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، خاصّةً أنّ هُناك تقارير تُؤكِّد أنّ (إسرائيل) شاركت بطريقةٍ أو بأُخرى، في عمليّة اغتيال اللواء سليماني، كما أن التهديدات الإيرانية لم تستثنِ دولة الاحتلال وأبرزها تصريح قائد سابق للحرس الثوري الإيراني الذي قال إن رد طهران على مقتل القائد العسكري قاسم سليماني سيشمل مدينة حيفا ومراكز عسكرية إسرائيلية، وهو ما يضع المقاومة الفلسطينية أمام خيارات صعبة بين الصمت أو الانخراط في مواجهة تكون غزة جزءا منها، وهو ما يفسر تركيز الاحتلال خلال الأسابيع الأخيرة على الحديث حول تهدئة أو هدنة مع غزة يستهدف احتواء جبهة غزة تمهيدا للتصعيد في جبهة الشمال، أي أن التهدئة مع غزة ليست خيارا أو توجها إسرائيليا، بقدر ما هو مرتبط بتكتيك التعامل مع الجبهات، لتجنب مواجهتها مجتمعة.
وعندما يقول حسن نصر الله: “إنّ الرّد على اغتيال سليماني ليس مسؤوليّة إيران وحدها، بل مسؤوليّة حُلفائها في المِنطقة أيضًا”، فهذا يعني أنّ الحرب المُحتملة ضِد أمريكا و(إسرائيل) وحُلفائهما العرب، ستكون على أكثر من جبهةٍ ومن أكثر من فصيل.
أما السيناريو الثالث وهو الرد الإيراني الباهت (الخيارات الصفرية) مقابل السقف المرتفع الذي وصلت إليه تهديدات القادة الإيرانيين، سيناريو سيؤدي إلى ضرب الـهيبة والثقة بتهديدات طهران، وسينعكس على حلفائها في المنطقة سلبا، في حين سيفتح شهية خصومها على المستوى الإقليمي والدولي، خصوصا الكيان الصهيوني، وسيكون لذلك تداعياته على المقاومة الفلسطينية التي تتلقى الدعم العسكري والمالي من إيران.
أمام معطيات اللحظة فإن حجم الرد الإيراني ومستواه وتأثيره سينعكس على الجبهات الأخرى سواء الجبهة الشمالية لدولة الاحتلال في لبنان وسوريا، والجبهة الجنوبية في غزة، ما يفرض على المقاومة الفلسطينية التحكم بمسار جبهة غزة ضمن غرفة العمليات المشتركة، في إطار المصلحة الوطنية، ومراعاة تحالف المقاومة الفلسطينية مع إيران.
كما أن اتساع نطاق الرد الإيراني يعني أن الساحة الفلسطينية مرشحة لجولة تصعيد مع الاحتلال، ويبقى التحدي هو مدى قدرة المقاومة على التحكم في مستوى النيران بحيث لا تصل إلى حد المواجهة الواسعة، ودفع ثمن كبير، بخلاف حسابات الدول الكبرى التي تختلف نتائج معاركها في الحرب والسلم.