قبل أن يحين موعد قدوم الضيوف، بدأت الأم بإلقاء تعليماتها على مسامع طفلها الصغير، بأن يلازم غرفته ولا يخرج منها، وألا يثير الفوضى والإزعاج بصراخه وغيرها، سكت مذعنًا لها، لا يفعل شيء سوى أن يهز برأسه، ثم قال لها بكل برود: "تريدي مني أن أنفذ أوامرك بحذافيرها، أعطني هاتفك المحمول"، استجابت الأم لطلب ابنها حتى لا يحرجها أمام ضيوفها.
وكأنما بات شائعا أن نرى الأطفال يملكون هواتف محمولة، وأجهزة ذكية، تلازم أيديهم فترات طويلة، ففي أي عمر يُسمح للطفل باللعب عليه؟ وما المشاكل التي يسببها؟
وسيلة ضغط
الغزية علا محمد توجه لذاتها كل أصابع اللوم بتعلق طفلها الصغير الذي لم يتجاوز الثلاثة أعوام بالهواتف المحمولة، قائلة: "منذ أن كان عمره شهورا كنتُ فرحة بقدومه وتزيينه لحياتي، فكنت أحمله وأضع الهاتف أمامه على صور وأناشيد لأجذب انتباهه، وفيما بعد أصبح الوسيلة الوحيدة لقبوله تناول الطعام، وتنفيذ طلباتي وأوامري".
وتضيف في دردشة مع صحيفة "فلسطين": "أما الآن فلا أستطيع السيطرة عليه، فعندما يطلب هاتفي المحمول وأرفض طلبه يبدأ بالصراخ ولا يكل ولا يمل حتى أستجيب لطلبه، فلا أعرف كيف أخلصه من هذه العادة".
أما أبو حمزة وهو أب لثلاثة أبناء، يرى أن سبب تعلق أبنائه في تلك الهواتف هو أنفسنا، كونها لا تغادر أيدينا، فيعتقدون أنها ذات أهمية، إلى جانب المحتوى الجذاب من صور وأناشيد وألعاب تجذب انتباههم.
ويتابع: "في بداية تعرف الطفل على الهاتف المحمول نفرح لانتباهه، ولمعرفته اختيار الألعاب والأناشيد، وبعدها نصطدم بمرض التعلق حتى أنه يسرق أبناءنا منا ومن اللحظات الجميلة، وما زاد الطين بلة أني قمت بشراء الآيباد لهم، حتى لا يستخدموا هاتفي وهاتف والدتهم، ولكني أصبحت لا أرى وجوههم ولا أسمع صوتهم إلا في حال حدث خلاف بينهم على تقسيم الأدوار في الجلوس على الآيباد".
أما آلاء جمال وهي أم لطفلين، لاحظت مبكرًا تعلق طفليها بهاتفها المحمول خاصة لحظة انقطاع التيار الكهربائي، وعدم قدرتهم على مشاهدة التلفاز، إلى جانب براعتهما في الوصول إلى الفيديوهات التي يريدون مشاهدتها عبر موقع يوتيوب، حيث إنهما يقومان باللجوء إلى المساعد الصوتي للجوال لعدم قدرتهما على الكتابة.
وتوضح أنها استخدمت خاصية أمان على التطبيقات حتى لا يتمكنا من الوصول إلى يوتيوب خوفًا من مشاهدة فيديوهات غير مناسبة، وعملت على تحميل ألعاب مناسبة لأعمارهما، بالإضافة إلى أنها تخصص لكل واحد منهما وقتا لا يتجاوز ساعة طيلة النهار لقضاء الوقت على الجوال.
مشاكل عديدة
في السياق يقول الاختصاصي النفسي إبراهيم التوم إن من الأسباب التي تدفع الأبناء الصغار إلى التعلق بالهواتف المحمولة، هو الغيرة من الآباء نتيجة قضاء ساعات طويلة عليها، وانشغالهم عن أبنائهم، وبدافع التقليد، إلى جانب التسلية، والعمل على ملء أوقات الفراغ، بالإضافة إلى مواكبة التطور والحداثة، ونوع من التدريب والتعلم والاستفادة من الخبرات.
لذلك يجب على الآباء أن يكونوا على علم ودراية في عالم التطور بالجوالات الحديثة –يقول التوم لصحيفة "فلسطين"- لأن عدم ثقافتهم ومعرفتهم بها يسبب مشاكل بين الآباء والأبناء محدثة خللا في التواصل.
ويشير التوم إلى أن ما نراه اليوم من استخدام الآباء للهواتف المحمولة مع أبنائهم لاستجابة طلباتهم وتنفيذ أوامرهم هو بداية الوقوع في الهاوية، لأن تكراره يوجد علاقة سببية توقع في المشاكل.
ويضيف أن ذلك يؤثر في شخصية الطفل سلبًا فتظهر عليه بعض الصفات كالعناد والعدوانية والعنف، وعلى مدى بعيد يسبب الانطواء والعزلة، وافتقاد مهارات التواصل، وقد يخلق لديهم نوعا من الرهاب الاجتماعي لعدم الاختلاط المباشر.
ويبين التوم أن على ولي الأمر تحمل عواقب السلوك الخاطئ في إغراء الأبناء بالجوال، لأن التمادي في هذا الأسلوب يصبح جزءا من شخصيتهم، لذلك على الآباء معرفة الخصائص الإنمائية لطفله، وأن تكون العلاقة قائمة على المحبة وليس على المصلحة والمنفعة الندية.
ويختم بأن استخدام الأطفال للجوالات ممنوع في مجال التربية لتأثيرها السلبي عليهم، فتجعل منهم شخصية انعزالية انفرادية وليس اجتماعية متعاونة، لذلك لا بد من تنظيم استخدام تلك الهواتف، ومعرفة نوعية البرامج والمحتوى المستخدم، والعمل على توجيه الطفل نحو مهاراته وهوايته لزيادة ثقته بنفسه