من جديد يعاود الاحتلال الإسرائيلي استخدام ورقة الأموال للضغط على السلطة الفلسطينية وتحقيق أهداف سياسية له، في ظل غياب الردع الفلسطيني لوقف هذه الخطوة، وعدم استخدام الأوراق التي تمتلكها السلطة وأبرزها التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي.
وتكرر القرار الإسرائيلي نتيجة غياب القرار والشخصية القوية للسلطة الفلسطينية، وعدم تنفيذها لقرارتها السابقة التي أكد فيها رئيسها محمود عباس عدم استلام أموال المقاصة منقوصة قرشاً واحداً، أو القبول بذلك على الإطلاق.
ولم ينفذ عباس قراره، إذ أعلن وزير الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ قبل أسابيع أن السلطة استعادت من الاحتلال الإسرائيلي عائدات ضريبة المحروقات، وقدرها بحوالي ملياري شيقل (512 مليون يورو).
وأقر المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) في دولة الاحتلال الإسرائيلي، الأسبوع الماضي الماضي، مقترحًا لاقتطاع نحو 150 مليون شيقل (قرابة 43 مليون دولار) من أموال الضرائب الخاصة بالسلطة الفلسطينية (إيرادات المقاصة).
وأرجع الاحتلال الإسرائيلي قرار الاقتطاع إلى ما تقدمه السلطة من مستحقات مالية إلى أسر الشهداء والمعتقلين في سجون الاحتلال.
وقالت قناة (13) الإسرائيلية الخاصة إن (الكابينت) وافق على مقترح وزير الجيش نفتالي بينيت باقتطاع المبلغ، وهو يساوي المبلغ الذي حولته السلطة الفلسطينية خلال عام 2018، كمستحقات شهرية لعائلات الشهداء والجرحى والمعتقلين.
المحلل السياسي عامر خليل يستبعد اتخاذ السلطة الفلسطينية خطوة ضاغطة ردًا على قرار دولة الاحتلال باقتطاع جزء كبير من أموال المقاصة، كوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، رغم تأثير ذلك على الضباط الذين ينفذون التنسيق من خلال عدم استلام رواتبهم كاملة.
ويقول خليل لصحيفة "فلسطين": "سبق وأن قررت السلطة عدم استلام أموال ما تعرف بالمقاصة منقوصة من الاحتلال، ولكنها استلمت قرابة 2 مليار ونصف المليار شيقل، وهو ما ساهم في تسليم رواتب الموظفين كاملاً".
ويضيف خليل: "قرار الاحتلال الإسرائيلي حول اقتطاع أموال الشهداء والجرحى ستكون له انعكاسات أمنية واقتصادية على الحياة في الضفة الغربية، وربما سيولد الفوضى وعدم الاستقرار، كما توقعت جهات أمنية إسرائيلية".
ويرى أن الاحتلال لن يستمر في خطوته أو ينفذ قراره بالكامل، إذ سيتخذ خطوة للوراء، وربما سيوصل تلك الأموال إلى السلطة عبر طرق ملتوية، كدفع فواتير الكهرباء والماء، أو الوقود.
وإيرادات المقاصة هي ضرائب تجبيها دولة الاحتلال نيابة عن وزارة المالية الفلسطينية، على السلع الواردة للأخيرة من الخارج، ويبلغ متوسطها الشهري (نحو 188 مليون دولار)، تقتطع "تل أبيب" منها 3 بالمائة بدل جباية.
وكان رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، ناداف أرغمان، حذر المجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت)، من التداعيات الأمنية التي يمكن أن تنجم عن قرار اقتطاع مبلغ 150 مليون شيقل من أموال المقاصة.
ونقل المحلل السياسي في القناة 13 الإسرائيلية، باراك رافيد، عن وزراء أعضاء في "الكابينيت"، أن قرار "الاقتطاع من أموال المقاصة قد يؤدي إلى اضطرابات ميدانية، حيث يتعين على الحكومة تقرير نوع العلاقة التي تريدها مع السلطة الفلسطينية".
المحلل السياسي، أشرف أبو خصيوان، يؤكد أن السلطة لن تستخدم التنسيق الأمني كورقة ضغط على الاحتلال كرد على اقتطاع جزء كبير من أموال المقاصة، كونه ضمن اتفاقيات (إسرائيل) مع السلطة، وخاصة (أوسلو).
ويقول أبو خصيوان في حديثه لـ"فلسطين": إن "السلطة ورئيسها محمود عباس ينظران للتنسيق الأمني على أنه مقدس وضروري، ولا يمكن الاستغناء عنه حتى لو استمر الاحتلال بقطع أموال المقاصة".
ويوضح أن سلطات الاحتلال وقادة السلطة سيعملون على فتح أبواب سرية لتقديم أموال المقاصة للسلطة، كما حدث قبل 4 أشهر حين التقى حسين الشيخ مع وزير مالية الاحتلال وحُولت الأموال عن طريق احتساب قيمة البترول.
وحول الأسباب التي تجعل (إسرائيل) تواصل خصم أموال المقاصة بين فترة وأخرى، عد المحلل السياسي أن أبرزها إيصال الاحتلال رسائل عدة لعباس، منها: أنه يعمل وفق سياساتها وليس وفق ما يريد، إضافة إلى أن تلك الأموال هي مصدر التمويل الوحيد للسلطة.
ويستبعد أن تسمح السلطة بحدوث أي حالة ثورية في الضفة الغربية كرد فعلي على خصم أموال الشهداء والجرحى، مع استمرارها بالعمل على إحباط أي عمليات للمقاومة الفلسطينية.