في طريقه لمواجهة لوائح الاتهام بقضايا الرشوة والغش وخيانة الأمانة يسمح رئيس وزراء من يزعم أنها الدولة الديموقراطية الوحيدة المزدهرة في الشرق الأوسط بأن يلعب بكل الأوراق المسموحة والممنوعة، فالغاية تبرر له الوسيلة.
ففي نفس مؤتمره الصحفي يوم 1-1-2020 والذي أعلن فيه نيته تقديم طلب للجنة الكنيست -غير المنعقدة- من أجل الحصول على حصانة برلمانية تمنع من تقديم لائحة اتهام ضده في قضايا الفساد، أعلن نتنياهو أن سفره للقاء قمة يجمعه مع زعماء اليونان وقبرص في إيطاليا لتوقيع اتفاق مد أنبوب غاز من (إسرائيل) لأوروبا، مشيراً إلى إنجاز آخر؛ وهو بدء (إسرائيل) ضخ الغاز من حقل ليفيتان للمستهلكين الإسرائيليين، وخلال أيام معدودة للأردن ومصر، فهل سينجح نتنياهو في هذه الألاعيب؟
لتأكيد مسألة اللعب بالغاز؛ فإن نتنياهو لم يكن متردداً خلال اليومين الماضيين في تقديم طلب الحصانة، إنما كان منشغلاً بالتريث في كيفية إخراجها وإجراء اتصالاته والسعي لعقد قمة في اليونان تجمع أيضا زعيم قبرص اليونانية من أجل التوقيع على اتفاق مد أنبوب الغاز من (إسرائيل) إلى أوروبا، كي تنوّع أوروبا من غازها على حد تعبير نتنياهو، ولا تبقى أسيرة للغاز الروسي، مع أن الأطراف كانت قد أعلنت عن هذا الاتفاق بداية عام 2017، ووقعت على مذكرة تفاهم رسميّة حوله في نهاية نفس السنة، فعلام الدراما إذن؟ ولماذا السفر العاجل لتوقيع اتفاق هو موقع أصلاً؟
إنه إشعال لقضية الغاز لإشغال الإسرائيليين بتدفئة جيوبهم وإضعاف "هول" طلب الحصانة للحماية من القضاء.
قد ينجح نتنياهو فنان التأجيل والخبير في شؤون المماطلة في خفض مستوى الاهتمام الإعلامي في قضية طلبه الحصانة مؤقتاً على الأقل، فمسألة الغاز بالنسبة لـ(إسرائيل) هي قضية مهمة وتاريخية، حيث إن وزراء الكابينت يعدون الشعب في (إسرائيل) بتحول دولتهم لقوة عظمى تصدر الطاقة للعالم العربي والأوروبي، على كل ما يحمله ذلك من تداعيات في مجال الوعي والاقتصاد والسياسة، وخاصة بعد أن أعلن الجنرال الأسبق ورئيس شركة الكهرباء الإسرائيلية يفتاح رونتال في المؤتمر الاقتصادي لصحيفة كالكاليست عن انتصاره على مصر في قضية التعويضات قائلاً: سنتلقى الشيك الأول بقيمة 100 مليون دولار من أصل مبلغ 500 مليون دولار في الأسبوع القادم، وسيشعر الإسرائيلي بالأمر، حيث سيتم خفض سعر الكهرباء بحوالي 5%.
من المناسب الإشارة لاحتمالية عالية بنجاح مذكرة التفاهم التركي الليبي حول ترسيم الحدود البحرية والتعاون العسكري في تعكير صفو الاحتفالات في (إسرائيل) بتصدير الغاز لمصر والأردن، الاتفاق الليبي التركي يقطع الطريق أمام أي احتمالية لمد أنبوب غاز من حيفا الفلسطينية إلى اليونان دون المرور بالمياه التركية الليبية، أو دون التجاوز للفيتو التركي على الأمر أي دون مراعاة مصالح البلدين، فأين المفر لـ(إسرائيل) ولغازها؟ إلى حفتر على الأرجح، فهل سينجح؟
يتعلق الأمر بمدى التدخل الروسي والإقليمي لمصلحته، وحتى ذاك الوقت فلن يكون للغاز الإسرائيلي طريق لأوروبا إلا عبر أنبوب شركة EMG من عسقلان إلى العريش، وسيستطيع نتنياهو أن يكرر التوقيع مع اليونان مرات ومرات، وأن يستمر في لعبة الغاز فهو آمن، ولن يحرق أصابعه لتحقيق بعض أغراضه الشخصية وأهدافه السياسية الداخلية.