قائمة الموقع

"عميد السوق" "أبو شعبان" لم يتغيب عنه منذ 55 عامًا

2020-01-02T11:45:00+02:00
عبد القادر أبو شعبان

على جانب الطريق مع بداية شارع فهمي بيك في ميدان فلسطين وسط مدينة غزة، يقف عبد القادر أبو شعبان بجوار بسطة للفاكهة يتفاوض مع زبائنه على السعر يقنعهم بكلامه تارة ويتنازل تارة أخرى لإرضائهم.

أسلوب في البيع والشراء تطور على مدار 55 عاماً قضاها في هذا المكان ليستحق أن يُطلِق عليه باعة سوق الزاوية وشارع فهمي بيك لقب "عميد السوق" فهو أقدمهم، أكبرهم، أكثرهم خبرة وأقربهم لقلوب الجميع بشهادة كل من يمر بجواره.

مسيرة حياة جديرة بذكر كل تفاصيلها ولكننا في هذا الحوار سنحاول أن نسرد بعضها، فحياة البائع الذي لم يتغيب عن السوق ولو ليوم واحد كفيلة بأن تحوي الكثير والكثير من القصص التي تحمل الحكمة والعبرة في نهايتها.

في دردشة مع صحيفة "فلسطين" يقول:" أنا مجرد بائع، نزلت للسوق مع والدي لأول مرة وكان عمري وقتها 10 سنوات، ومن وقتها لم أتغيب عنه بتاتاً، فلم يكن للإضرابات في زمن الاحتلال الإسرائيلي، أو للانتفاضة أو الحروب التي مرت على قطاع غزة سبباً لبقائي في المنزل ولو ليوم واحد".

ويضيف:" قبل 55 سنة عندما جئت للسوق مع والدي استغربت المكان ولكن مع الوقت بدأت الألفة والحب له يدخلان قلبي، حتى بت لا أستطيع مفارقته، عملت فيه وتنقلت من وظيفة لأخرى".

ويردف أبو شعبان:" اشتغلت في مطعم، بعت الحلويات، الخضار والفواكه أعمال علمتني أن المهنة التي لا أرتاح فيها يجب أن أتركها وانتقل لتجربة غيرها، وكان هذا الدرس الأول الذي علمني إياه السوق".

ويؤكد أن محبة العمل الذي يقوم به الإنسان ستجعله راضيا عنه ويسعى للإبداع فيه مهما كان، لافتاً إلى أنه بعد عدة تجارب وصل لقناعة أن بيع الفواكه هو العمل الذي يريد أن يستمر به وهو ما كان منذ 25 عاماً مضت.

 وينبه أبو شعبان إلى أن الدرس الثاني الذي علمه له السوق والحياة هو أهمية أن يكون بجوارك زوجة صالحة تعتمد عليها خاصة في تربية الأبناء وتعليمهم، موضحاً أنه أولى لتعليم أبنائه الخمسة اهتماما كبيرا.

ويتابع:" رسخت زوجتي في ذهن أبنائي أهمية التعليم وضرورة الحصول على شهاداتهم الجامعية، ولكني علمتهم أيضاً أن العالم لا يقف عند الشهادة التي سيحصلون عليها وهو ما أفادهم على الصعيد الشخصي".

ويذكر أن أبناءه تخرجوا من اختصاصات مختلفة لكن جميعهم عملوا في مهن أخرى بعد أن عجز سوق العمل عن توفير وظائف لهم، مبيناً أن هذا نجاح آخر يحسب لزوجته وله أنهم تمكنوا من غرس هذه الثقافة عند أبنائهم بأن العمل في المهن ليس عيبا وأن الوظيفة ليست آخر أحلامهم.

ولا يزال أبو شعبان يتذكر الأيام التي عاصرها في أوقات الانتفاضة عندما لم يكن يرضى بالجلوس في منزله في أوقات الإضرابات وكان محله في ميدان فلسطين هو الوحيد الذي يبقى مفتوحاً للناس.

ويشير إلى أن الثمانينات والتسعينات كانت أيام خير حيث لم تكن يوميته تقل عن 100 دولار، حيث كان هناك قدرة شرائية كبيرة عند الناس على الشراء, على عكس الأيام الحالية التي ضافت على الناس بسبب اشتداد الحصار، والأزمات الاقتصادية.

ويوضح أبو شعبان أن الدرس الثالث الذي تعلمه في السوق هو عمل الخير دون انتظار مقابل، حتى لو كان هذا الخير بسيطا، مستذكراً قصة ذلك الرجل الذي طلب منه حبتين من فاكهة الجوافة لزوجته الحامل في غير موسمها واستطاع توفيرها له.

قصة ربما تظن أنها عادية ولكن ما لم يكن أبو شعبان يعرفه في ذلك الوقت هو أن ذلك الرجل طبيب وزوجته حامل بعد انتظار دام 16 عاماً وتوحمت على فاكهة الجوافة ليحقق لها هذا الأمر دون أي مشاكل.

ويقول:" تمر السنين وتمرض زوجتي لنتوجه إلى المستشفى ويرانا الطبيب نفسه، ويصمم على رد الجميل، حيث رفض مغادرة المشفى رغم انتهاء دوامه وبقي حتى طمأنني على زوجتي بشكل كامل، لتكون حبتي جوافة سبباً في شفاء زوجتي بعد إرادة الله".

ويشير أبو شعبان إلى أن الدرس الرابع الذي علمه السوق ويعلمه لأبنائه دائماً هو أن لا راحة إلا بالعمل وليس بالجلوس بالمنزل، لافتاً إلى أنه يرفض دائماً اقتراحات أبنائه بالتوقف عن النزول للسوق والعمل.

ويستمر "عميد السوق"، وهو اللقب الذي يُطلق على عبد القادر أبو شعبان بالتوجه يومياً منذ ساعات الصباح المبكر ليفتتح بسطته مصطحباً معه في بعض الأحيان حفيده يرافقه ويتعلم منه ذات الدروس التي تعلمها أبناؤه منه لتنتقل من جيل لجيل مشكلةً شخصية الانسان الناجح بكل تفاصيله

اخبار ذات صلة