ما موقع التخطيط في حياة الرجل: هل يقيدها بالتخطيط وفق الأعوام والتواريخ؟، أم أن منهج التخطيط من شخص إلى آخر يختلف حسب معطيات شخصية؟، وما رؤية خبراء التنمية البشرية لأهمية التخطيط في حياتنا؟
الشاب علاء أبو محسن (22 عامًا) يقول: "أُقيد خطتي وحياتي وفق تواريخ وأعوام معينة حتى أُحفز نفسي على تطبيق هذه الأهداف وتحقيقها دون تلكؤ"، مرجعًا ذلك لرغبته في الشعور بالرضا الذاتي أولًا، وبلذة الإنجاز ونشوة المجهود المبدع الذي يقوم به ثانيًا.
ويوضح أبو محسن الذي يعمل صحفيًّا في حديث إلى "فلسطين" أن التخطيط مهم جدًّا؛ فهو ينقل الشخص من وضعه الحالي إلى ما يطمح إلى الوصول إليه من أهداف وأمنيات مستقبلية، برسم أعماله ووضع البرامج وفق الإمكانات الموجودة لديه.
ويضيف: "إنجازي السنوي أُقوّمه بالجيد جدًّا لما حصلت عليه من فرص استطعت عبرها أن أفتح أفقًا جديدة لدي، ليس للعمل الصُحفي فحسب، بل للعديد من المجالات الأخرى".
أما بلال يونس أبو دقة (مهندس حاسوب -30 عامًا) فيشير إلى أن أوضاع قطاع غزة لا تسمح بوضع خطط لبناء المستقبل عليها، مضيفًا: "إنجازي السنوي جيد جدًّا بوجود الوظيفة، ولكن مع انقطاع العمل يصبح الأمر صعبًا".
ويبين أبو دقة لـ"فلسطين" أن التخطيط حسب الواقع لا ينحصر بتواريخ وأعوام من ناحية مادية، ومن نواحٍ أخرى دائمًا يسعى إلى تطوير الذات والقدرات، موضحًا أنه يدير وقته ويخطط حسب جدولة وأولوية المرحلة التي يمر بها.
بدوره يشير مدرب التنمية البشرية الشيخ نمر سلفيتي إلى أن الناس نوعان في التخطيط، فهناك من يخطط وهناك من لا يخطط، لافتًا إلى أن فهم الشخص هو الذي يؤدي به إلى أن يكون أحد النوعين.
ويوضح سلفيتي لصحيفة "فلسطين" أن لدى الناس فهمًا خطأ لمفهوم التخطيط، فيتعاملون معه على أنه تقييد، فإذا خطط الواحد منهم فمن الممكن أن يتقيد، وبعض الناس تتعامل مع العشوائية بفهم خطأ أنها هي البركة، فيقول: "أنا ماشي على البركة"، فيسعى في حياته بفوضوية دون تخطيط.
ويشدد على أن الأصح دينيًّا وعلميًّا أن يقف الإنسان أمام يومه وأسبوعه وشهره وسنته وكل مرحلة من عمره (3 – 5 سنوات)، بأن يبني خطة ورؤية خاصة به حتى يكون منظمًا أكثر.
ويؤكد سلفيتي أهمية إتقان العمل، وأفضل ذلك أن يكون مخططًا له.
ومن الناحية التنموية –كما يقول- ينبغي أن يدرس الإنسان الخطوات القادمة جيدًا، ويكتب ما يريد تحقيقه من أهدافه.
إذًا كيف يكون الرد على من يعتقد أن الإنسان لا ينبغي أن يخطط، وعليه فقط أن يتواكل بدلًا من التوكل؟، يجيب: "التخطيط ليس مخالفًا للقدر بل هو جزء منه، كذلك في تفسير عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) للقدر، عندما قال: (نهرب من قدر الله إلى قدر الله)".
وينبه سلفيتي إلى أننا بالتخطيط ننتقل من الفوضى إلى التنظيم، فنحن بذلك نأخذ بالأسباب وننظم حياتنا.
وقد يتساءل الواحد منا: ماذا يحصل إذا لم أستطع تنفيذ ما خططت له؟، يعلق: "هناك الخطط البديلة، فإذا لم أفعل كذا، فلدي الخطة البديلة، فكل الاحتمالات واردة، ويجب على الإنسان أن يكون مستعدًّا لها، لذا التخطيط يكون محاطًا بالتوقعات السلبية".
وينصح سلفيتي أن يكتب الإنسان كل يوم على ورقة ماذا سيفعل اليوم، وعلى مستوى المؤسسات تضع خططها القريبة والبعيدة، مضيفًا: "إذًا سيكون عندها لدينا بركة التخطيط والإعداد، وليس هناك بركة في العشوائية والتواكل".
ويلفت إلى أن النقطة المهمة جدًّا في التخطيط أن يرتب الشخص الأولويات، فهناك أشياء مهمة في الحياة وأخرى مستعجلة، فيرتب أولويات اليوم للمستعجل أولًا، ثم المهم فالأقل أهمية، كذلك في التخطيط السنوي يجب أن يخطط حسب الأولويات.
ويقول: "إذا لم نخطط فهناك احتمال أن ينجز الإنسان ما يريد، لكن الإنسان يجب ألا يعيش على الاحتمالات"، منبهًا إلى أن الاحتمال الأكبر خسارة الوقت، ويسبق الركب الشخص، ويتميز عنه غيره".
ويختم سلفيتي بقوله: "لذا يجب ألا يعيش الإنسان على الاحتمالات، ولا يصح أن يبني حياته عليها، فإن لم يخطط فعلى الأغلب سيخسر النتائج والوقت، لذا يجب أن يخطط الشخص حتى لا يخسر".