تربط السلطة الفلسطينية إصدار المرسوم الرئاسي الذي يحدد مواعيد إجراء الانتخابات بموافقة الاحتلال الإسرائيلي على إجرائها في القدس المحتلة، دون الأخذ بعين الاعتبار، وفق مراقبين، أنه يمكن تحويل المدينة المقدسة لساحة اشتباك معه.
لماذا تصر السلطة على ربط مصير الانتخابات بموافقة الاحتلال؟ وهل فعلا هي مهتمة بالقدس التي قلصت ميزانياتها السنوية؟ أسئلة بات طرحها ملحا أمام تأخر إصدار المرسوم الرئاسي الذي يفسره مراقبون على أنه تهرب واضح من استحقاق الانتخابات عندما أصبح هامش المناورة أمام السلطة ضيقاً بعد موافقة الفصائل على كل شروطها، التي منها قانون النسبية الكاملة وإجراء الانتخابات بشكل غير متزامن.
وقد ذهبت السلطة عقب كل ذلك للبحث عن ذرائع أن الاحتلال لن يسمح بإجرائها في القدس، وقد تذهب لأبعد من ذلك وتطرح سلاح المقاومة على الطاولة، وفق تقديرات محللين سياسيين تحدثوا لصحيفة "فلسطين".
ساحة اشتباك
الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات يقول إنه في ضوء موافقة الفصائل على إجراء الانتخابات أن تكون شاملة، كان واجبا على السلطة إصدار مرسوم رئاسي يحدد موعد إجراء الانتخابات.
وأضاف عبيدات أن الانتخابات في القدس يجب أن تُفرض على الاحتلال الذي يريد إلغاء كل أشكال السيادة الفلسطينية الرسمية على القدس خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بالمدينة المقدسة "عاصمةً" مزعومة لـ(إسرائيل).
وأكد أنه إذا أردنا إجراء انتخابات حقيقية يجب إصدار المرسوم أولا، ثم جعل القدس ساحة اشتباك سياسي، فإذا كانت هناك إرادة سياسية وتحدٍّ للاحتلال يمكن حل القضية، أما استمرار التذرع بأنه لن يسمح بإجراء الانتخابات في القدس فهذا نوع من التهرب من استحقاق إجراء الانتخابات.
ويرى أنه رغم اشتراطات الاحتلال حول إجراء الانتخابات في القدس، فإن على السلطة البحث عن مخارج لإجرائها، وأحد المخارج أن يتم الاشتباك سياسيا معه لتثبيت السلطة فيها، أو إجراء الانتخابات على غرار الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، مبينا أن جزءا من المقدسيين انتخبوا بالبريد حينها، والجزء الآخر انتخب بمناطق داخل جدار الفصل العنصري يستطيعون الوصول إليها كونها خارج حدود بلدية الاحتلال بالقدس، بوضع صناديق الاقتراع فيها، أو وضع الصناديق في المدارس.
الاتحاد الأوروبي
وأضاف أنه أمام كل ذلك يمكن أن تصبح الانتخابات قضية صراع وتحدٍّ للاحتلال، ووضع الاتحاد الأوروبي الذي ينادي بحل الدولتين ويعترف بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية عند مسؤولياته، بأن تصبح سفارات الاتحاد في القدس مكانا لإجراء الانتخابات.
وعد عبيدات أن القدس لا تحظى باهتمام السلطة في كل مجالات الحياة، وأن هناك قصورا واضحا في ذلك، مبينا أنه عندما أغلق الاحتلال مكتب وزارة التربية والتعليم في المدينة المقدسة لم تبحث السلطة عن إقامة مكاتب فرعية بديلة، أي أنه لا توجد لديها خيارات للمواجهة.
وأشار إلى أن إجمالي ميزانية السلطة للقدس تبلغ سنويا 25 مليون شيقل، لكن ما يصل المدينة في كل المجالات لا يتجاوز 10 إلى 12 مليونا، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بحجم التحديات، فضلا عن أزمة شركة كهرباء القدس التي لديها ديون على السلطة تبلغ 300 مليون شيقل يجب تحويلها لشركة الكهرباء الإسرائيلية، بالإضافة لأزمة ديون مستشفيي المقاصد و"المطلع".
وقال عبيدات إن هذه المعطيات تبين أنه لا يوجد اكتراث بالقدس، ما يعزز فرضية أن عملية الانتخابات لم تكن نابعة من إرادة فلسطينية داخلية بل كانت نتيجة ضغوط أوروبية، مشيرا إلى أن الفصائل استجابت لكل شروط رئيس السلطة محمود عباس بشأن الانتخابات ووافقت على قانون النسبية الكاملة، وعلى إجرائها بشكل غير متزامن.
وأردف: "يبدو أن عباس لا يريد إجراء الانتخابات، وحتى لو وافق الاحتلال على إجرائها في القدس ستطرح السلطة موضوع سلاح المقاومة كي تقدم مبررات للأوروبيين بشأن فشل إجرائها".
دليل وذرائع
الكاتب والمحلل عمر عساف يفسر من ناحيته تأخر إصدار السلطة المرسوم الرئاسي بأنه دليل لعدم نيتها إجراء الانتخابات.
وذكر عساف أن الفصائل لم تترك أي ذرائع لعدم إجراء الانتخابات، فخرجت السلطة بمسألة موافقة الاحتلال على إجرائها في القدس، مؤكدا ضرورة الاتفاق فلسطينيا على إجراء الانتخابات ومن ثم الاتفاق على آليات ذلك.
ويعتقد عساف أن هناك أوساطا كثيرة في حركة فتح خاصة الفريق المقرب من عباس يدرك أن الحركة ليست جاهزة لخوض الانتخابات بسبب ما تعيشه من تباينات داخلية، موضحا أن إمكانية خوض فتح الانتخابات بأكثر من قائمة كبيرة تقلل من حظوظها بالفوز مقارنة بخصومها السياسيين كحركة حماس.
ويرى أن السلطة أعلنت عن الانتخابات نتيجة الضغوط الأوروبية، لكن حينما أصبحت الأمور جدية وتقلص هامش المناورة ذهبت للبحث عن ذرائع مختلفة كرفض الاحتلال إجراءها في القدس، لافتاً إلى أن الانتخابات في القدس ممكنة من خلال تحويل المدينة المقدسة لساحة اشتباك وفتح صناديق الاقتراع أمام المقدسيين ووضع العالم عند مسؤولياته