من الواضح ان اعتداءات الاحتلال وجرائمه لا تقتصر على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث استشهد بنيرانه أكثر من ألفي فلسطيني غالبيتهم من المدنيين العزل، إضافة إلى آلاف الجرحى وتدمير عشرات آلاف المنازل، بل إن هذه الجرائم والاعتداءات المستمرة على مدى عقود تتعلق أيضًا بالاستيطان وسرقة الأراضي الفلسطينية والعقوبات الجماعية، وما يرتكب بحق الأسرى الفلسطينيين، وما يحدث للمدينة المقدسة والأماكن المقدسة من انتهاكات ومحاولات تهويد ... إلخ.
فمنذ أن أُعلنت نية المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وفيها شرقي القدس، التي طالما ارتكبها الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين؛ جن جنون قادة الاحتلال إذ انبرى لسانا رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، ووزير خارجيته بالصراخ والتهّجم على المحكمة بوصف القرار بأنه "يوم أسود للعدالة"، وهذا تضليل للعالم أجمع انطلاقًا من نهج التضليل والأكاذيب الذي طالما اعتمدته الصهيونية وحكومات الاحتلال المتعاقبة لتسويغ جرائمها المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني.
وتخشى (إسرائيل) عملية ملاحقة تطال كبار السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، خاصةً بعد أن طال بعض قياداتها محاولات احتجاز من السلطات في لندن ودول أوروبية أخرى بعد تقديم شكاوى ضدهم.
انظر كيف يضلل الاحتلال الرأي العام العالمي بالحجج والافتراءات والأكاذيب والتلاعب بالقوانين وتحريف الجرائم، هذا أفيخاي ماندلبليت المستشار القانوني لحكومة الاحتلال الإسرائيلي أصدر رأيًا قانونيًّا، قبل صدور قرار المدعية الذي كان للاحتلال علم بشأنه، فقد ادعى ماندلبليت 4 أسباب يمكن أن ينجح الاحتلال بها في الإفلات من المحاسبة أمام الجنائية الدولية، بحسب ما نشر في موقع صحيفة "هآرتس"، فقد ادعى ماندلبليت في أول الأسباب أن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها اختصاص العمل ولا تملك الصلاحية اللازمة من أجل ذلك في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، والثاني أن المحكمة يمكنها فقط العمل داخل دول ذات سيادة يمكنها منح الصلاحية للقيام بمهامها، وأن السلطة الفلسطينية لا تعد جهة ذات سيادة، ولا تفي بشروط وجود دولة وفقًا للقانون الدولي واتفاقية روما، ورأى أن انضمام الفلسطينيين إلى معاهدة روما لا يعد بديلًا للاختبار الموضوعي والجوهري الذي يمكنها من منح المحكمة صلاحيات للعمل في دولة ذات سيادة.
والأسوأ من هذا وذاك -بحسب قول ماندلبليت- أن هناك اتفاقيات بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، يدعمها المجتمع الدولي، تنص على أن أي خلافات تتعلق بالصراع المشترك تحل فقط بالمفاوضات، وأنه توجه الفلسطينيين للمحكمة يعني كسر الإطار المتفق عليه بين الطرفين، ودفع المحكمة إلى اتخاذ قرار بشأن المسائل السياسية التي يجب حلها بالمفاوضات لا الإجراءات الجنائية، مع غياب اتفاق بين الطرفين، وأشار إلى أن المحكمة لا تملك الصلاحية للنظر في هذه القضايا.
ومن الواضح أن هذا القرار انتصار للعدالة والقضاء الدوليين، وصفعة للاحتلال الإسرائيلي وحليفته الإدارة الأميركية، وخطوة مهمة على طريق تحقيق العدالة وإنصاف شعبنا الفلسطيني، ومما لا شك فيه أن واشنطن و(تل أبيب) سوف تواصلان تحركاتهما وضغوطهما لإحباط أو عرقلة إجراء هذا التحقيق المهم، الذي لا نشك بأنه إذا ما جرى كما ينبغي فإن وصمة عار أخرى جديدة ستلحق بهذا الاحتلال وحليفته، ولن يكون اليوم الذي سيحاسب فيه المسؤولون الإسرائيليون عن ارتكاب هذه الجرائم ببعيد.
من كل هذا نفهم أن الاحتلال يريد أن يلتف من جديد على العدالة والقوانين الدولية بأكاذيب جمة، محاولًا تسييس القضية بعدم الاعتراف بجرائمه أمام القضاء الدولي، الذي هو خطوة مهمة نحو محاسبة (إسرائيل) ومعاقبتها على ما ترتكبه من جرائم، خاصة أنها المرة الأولى التي يصدر فيها هذا الإعلان المهم، الذي تأخر صدوره نحو خمس سنوات، وهي المدة التي استغرقتها الدراسة الأولية قبيل قرار فتح التحقيق.