فلسطين أون لاين

توجت بجائزة "اليونسكو من أجل المرأة في العلم"

تقرير فاتن أبو شوقة تذيب جليد "الرياضيات" وتربط "المدارات المعقدة"

...
​​​​​​​غزة/ يحيى اليعقوبي:

ما إن تلج الطابق السادس بكلية العلوم بالجامعة الإسلامية بغزة، وقبل أن تمر إلى مكتبها في نهاية القسم سيصادفك طلاب منهمكون في إعداد تجارب وأبحاث علمية، الوقت هنا ثمين للجميع؛ بعضهم منهمك في معاينة أجهزة كهربائية وآخرون ينصتون لشرح المدرسين، إلى أن يصل بك الممر إلى مكتب رئيس قسم الرياضيات د. فاتن أبو شوقة.

مكتب بسيط خالٍ من الزخارف الخشبية، مكتبتان صغيرتان تضمان كتبًا خاصة بالقسم، يحتضن إحدى أفضل الأكاديميين الفلسطينيين بمجال الرياضيات، فابنة السابعة والثلاثين عامًا حفرت اسمها بما قدمته من أبحاث ودراسات بالرياضيات استحقت من خلالها الفوز بالعديد من الجوائز، مرت قبلها على قراءة مئات الكتب في المجال نفسه زادت من سعتها ومخزونها العلمي.

ولا غرابة في ذلك، فطوال فترة جلوسنا -في مكتبها الذي تستطيع رؤية البحر من شرفته- والتي لم تزِد على خمسة وعشرين دقيقة، كان المدرسون والطلبة يتوافدون للمكتب باستمرار، فمن يجلس على رأس قسم الرياضيات اليوم كانت قبل سنوات تلميذة عند بعض الأكاديميين الذين مروا خلال حديثنا، مراسل صحيفة "فلسطين" أنصت إلى هذه التجربة الفريدة في رحاب العلم لتنقل قصة أكاديمية أذابت في إبداعها جمود الرياضيات وتعقيدها.

أبو شوقة حاصلة على بكالوريوس "الرياضيات" سنة 2004 بدرجة امتياز، وكانت الأولى على كلية العلوم، عينت معيدة لمدة ثلاثة أعوام، حتى حصلت على درجة الماجستير في الرياضيات مع مرتبة الشرف من الجامعة الإسلامية بغزة في عام 2007م حول التحليل المركب "ملاحظات على فرضيات بوهر" وكانت أول باحثة تحصل على هذا التخصص غير المتوافر في القطاع.

بعد الماجستير عملت مدرسة بالجامعة، وفي عام 2016 حصلت على منحةٍ دراسية من جامعة الرور في مدينة بوخوم بألمانيا لطلاب الدكتوراة المميزين، حيث تخرجت في الجامعة الألمانية حاملةً الدكتوراة في حسابات الهندسة المعقدة من قسم الرياضيات، إلى أن عينت رئيس قسم الرياضيات بكلية العلوم.

جائزة "لوريال – اليونسكو"

نالت أبو شوقة جائزة زمالة برنامج لوريال – اليونسكو "من أجل المرأة في العلم" في المشرق العربي لعام 2018م، واختيرت د. فاتن إلى جانب 5 عالمات عربيات؛ من بين أكثر من 100 مرشّحة للحصول على جوائز لأبحاثهنّ العلمية.

تقول في مستهل حديثها: "شاركت في جائزة لوريال – اليونسكو، برسالتي الدكتوراة المتعلقة بحسابات الهندسة التي اختصت بجزئية معينة، وتمكنت من الحصول على نتائج مميزة لم نتمكن من الحصول عليها من قبل".

تتابع: "في مجال الهندسة المعقدة لدينا تقاطعات ما بين مدارات معينة، المشكلة والمعضلة تتمثل بالتفكير في مبدأ التقاطع في الثلاثي أو رباعي الأبعاد، لكن عندما تصعد بالتفكير أكثر لأبعاد أعلى يصبح هناك صعوبة في تخيل الأمل والتعامل معه، فالحصول على تقاطع بين المدارات أمر ليس بسيطا".

لكن أبو شوقة استطاعت أن تحصل على التقاطع واحتسبت بالضبط كم نقطة تقاطع موجودة بمدارات معينة وأبعاد عالية جدا، قائلة: "أنجزت بحثا مميزا وحصلت فيه على نتائج جديدة نلت بها درجة الدكتوراة (...) علم الرياضيات ليس كالعلوم العادية، فلدينا خصوصية جدا، فمثلا "فيزياء الكون" و"علوم الفلك" تختص بالهندسة المركبة، التي نختص فيها بشكل كبير، وهناك نقاط لا يستطيعون إكمال البحوث فيها إلا عندما نحصل على نتائج ونستطيع إثباتها".

"الإنجاز والتميز"

قبل أسبوع منحت وزارة التربية والتعليم جائزة "الإنجاز والتميز" لأبو شوقة، وهي جائزة تتعلق بالإنجازات والمبادرات بمجال التعليم داخل المدارس سواء الحكومية أو مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إضافة للجامعات، شرط أن يكون الإنجاز له صدى وتأثير على دعم المسيرة التعليمية وتقدمها.

"مع صعوبة تخصص الرياضيات استطعت عمل مبادرة ربطت فيها بين التعليم بالمدارس والجامعات".. تقول: "المبادرة اسمها "زميلي معلمي" تدعم التعلم بالأقران (الزملاء من الطلبة)، فالمدرس داخل الفصل لن يستطيع إيصال المعلومة للأربعين تلميذًا، فأصحاب المستوى الأعلى سيفهمون أما الطلبة من المستوى الأقل ربما لن يفهموا".

لذلك كانت فكرتها من خلال المبادرة، إيجاد طريقة لإيصال المعلومة للطلبة ليس عن طريق المدرس بل الزملاء، لكون الطالب يستطيع التواصل مع زميله بسهولة، وقد يكون هذا القرين قريبًا أو جارًا، على ألَّا يكون الاختيار عشوائيًّا، بل يختار المدرس الطلاب المناسبين لتوزيع الهيكلة عليهم والحصول على أكثر فائدة ممكنة.

ترجع للحظات ما قبل تقديم المبادرة: "فكرت بأن أبدأ من المدرسة وليس الجامعة، بعمل مبادرة تعلم بالأقران ضمن هيكلية منظمة، والتقينا بطلاب وقدمت محاضرات عن أهمية علم الرياضيات، وتمت عملية تقييم المبادرة بواسطة لجنة من غزة ورام الله تتبعوا مراحل تنفيذ المبادرة، خاصة أنها المبادرة الأولى التي تجمع ما بين الجامعة والمدرسة وكبر حجم الفئة المستفيدة ونلت قبل أسبوع جائزة "الإنجاز والتميز".

السنة الماضية كذلك، جرى اختيارها ضمن أفضل 15 أكاديميًّا بالجامعة الإسلامية للتدريب "أون لاين" لمدة ثمانية أشهر على كيفية تطوير التعليم بالجامعات وانعكاسه على المدارس، وهذا ما أفادها في مبادرتها "التعلم بالأقران".

وفازت عام 2018م بجائزة "امرأة فلسطين للتميز بالمجال التعليمي" من وزارة شؤون المرأة، وهذه الجائزة تعتمد على تقييم كل المسيرة التعليمية من البحوث والإنجازات والمشاركات العلمية والمؤتمرات، وحصلت د. فاتن على أعلى تقييم.

ارتقاء بالتعليم

ما طموحك؟ .. ترد: "خطة عملي بالاستمرار بمجال الأبحاث بعد الدكتوراة بمجال الرياضيات (...) أصبح لدينا فريق عمل تابع لمركز التميز الأكاديمي بالجامعة الإسلامية، بتخصصات مختلفة، ونسعى من خلاله للارتقاء بمستوى التعليم العالي ليس على صعيد غزة فقط بل لدينا مشروع للارتقاء بالتعاليم على مستوى الوطن العربي".

لم يكن تعلقها بالرياضيات حبًّا فقط، بل هو وراثة عن والديها "البارعين" كما تقول بهذا المجال، فكانت هي ثمرة حصادهما بتفوقها العلمي فيه، وتزيد: "كان والداي يدعمانني، حتى إنني حصلت على منحة دراسة الطب بالثانوية العامة، إلا أنهما لم يعترضا على اختياري الرياضيات".

"جمال الرياضيات في صعوبتها ومن يركز فيها بالطريقة الصحيحة سيبدع".. قناعة وصلت إليها بعد سنوات قضتها في رحاب هذه المادة.

في ردها على سؤالنا حول طرق تبسيط الرياضيات على الطلبة، تقول، إنه يجب أن يكون هناك تواصل بين الأهل والمدرسة، ويكون هناك خط معروف ومحدد بالتعامل مع المادة عند الأهل، وأفق أوسع بالتدريس، مضيفة: "المنهاج به كم كبير من المعلومات (...) فالأهل يدرسون معلومات قديمة تختلف عما هو جديد، لذلك التواصل لازم، ويجب تجهيز الأهالي في أن تضع وزارة التربية والتعليم استراتيجية متكاملة داعمة للأهل وتنفيذ مبادرات وورشات للأهالي حول صعوبات تعلم الرياضيات".

آمنت د. فاتن التي مرت خلال حياتها بقراءة مئات الكتب حول الرياضيات، "أنه لا يوجد حرف تقرؤه إلا سيزيد إدراكك ووعيك، وأن كل معلومة جديدة ستدرسها ستكون صنبورا معرفيا فتح لك، لكن يجب أن تعرف ماذا تقرأ وتوقيته المناسب".

ما زالت تبحر في حديثها عن مطالعة الكتب: "لدى والدي مكتبة كبيرة، فهو من نمى بداخلي حب القراءة منذ نعومة أظفاري، القراءة توسع الإدراك وهذا الإدراك يزيد من التفكير الصحيح، وهو ما تعتمد عليه الرياضيات التي هي عملية تفكير واتخاذ قرارات".

هذه الأكاديمية ليست تقليدية في التدريس، فهي تعتمد على الاستراتيجيات التفاعلية، التي تعتمد على مشاركة الطالب وأن يكون له دور في العملية التعليمية، وليس من خلال التلقي فقط، وقد تطلب منه تحضير بعض المساقات بجزئية معينة، أو إعداد بحث مصغر، أو طرح أسئلة تنافسية لإثراء التحدي بين الطلبة وغيرها من طرق التدريس.