قبل أن ينسدل الستار على عام 2019م، نجحت خمس شركات غذائية من قطاع غزة المحاصر، في الحصول على شهادة سلامة الغذاء والجودة والإشراف العالمية (ISO22000)، أعلى معايير أنظمة سلامة الغذاء المعتمدة في العالم.
نجاح تلك الشركات يأتي بعد سنوات من العمل والتطوير الدؤوبين، إيمانًا بقدرتها على الوصول إلى العالمية رغم عراقل الاحتلال الإسرائيلي.
وشهادة (ISO22000) إحدى المواصفات التي أصدرتها المنظمة الدولية للتقييس (ISO) عام 2005م، في مجال سلامة وصحة الغذاء.
وتجمع بين متطلبات الإدارة الخاصة بنظام (ISO 22000)، ومتطلبات التصنيع الجيد (GMP)، ومتطلبات نظام الهسب (HACCP).
وتشمل المعايير هذه: تصنيع الأغذية وإنتاجها، مرورًا بتخزينها وتوزيعها وتغليفها، حتى لحظة وصولها إلى مائدة المستهلك.
والشركات الفلسطينية في قطاع غزة الحاصلة على تلك الشهادة هي: شركة مأرب للتجارة والصناعة، وشركة أسكمو الأمير، وشركة اليازجي للمشروبات الخفيفة، وشركة مطاحن الإيمان، وشركة جمال أبو عيطة لمنتجات الألبان.
الثقة بالمنتج الوطني
ويبين المدير التنفيذي لاتحاد الصناعات الغذائية محمد عايش أن الهدف من الحصول على شهادة (ISO22000) زيادة ثقة المستهلك بالمنتج المحلي، ودفعه نحو استبداله بالمنتج المستورد، لأن ذلك سيؤدي إلى زيادة الطاقة الإنتاجية، ما يعود بالفائدة على الشركات ويرفع من فرص التشغيل.
ويضيف عايش لصحيفة "فلسطين": "إن الشركات الفائزة كانت ضمن مشروع برنامج تطوير القطاع الخاص في مؤسسة التعاون الإنمائي الألماني (GIZ)، الممول من (BMZ)".
ويذكر أن المشروع كان على عدة مراحل، أولاها إقناع الشركات الغذائية بفكرة وأهمية الحصول على شهادة "أيزو 22000"، وما تبعها من العمل على تطوير البنية التحتية للشركات، الذي اشتمل على تطوير المرافق والمختبرات، وتدريب الطواقم العاملة على السلامة الغذائية، واتباع أنظمة المراقبة والمتابعة.
ويشير إلى أن الشركة المانحة للشهادة هي شركة "لويدز ريجستر" العالمية، وممثلها في فلسطين شركة "ماك إنترناشونال".
ويعبر عايش عن أمله أن تحصل شركات أخرى في قطاع غزة على هذه الشهادة، التي تفتح لها آفاقًا جديدة في الأسواق الخارجية.
ويلفت إلى أن نقص السيولة النقدية عند الشركات، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يفرضها الحصار على غزة، من أشد المعيقات التي تعترض رغبة الشركات في التطوير والوصول إلى شهادة "أيزو 22000"، فضلًا عن استمرار الاحتلال بمنع توريد مواد خام والآلات اللازمة لعمل المنشآت الصناعية.
مطاحن الإيمان
وأسست شركة مطاحن الإيمان، إحدى الشركات الحائزة شهادة "أيزو 22000"، قبل 16 عامًا، في وسط قطاع غزة، وهي اليوم من الشركات الفلسطينية الكبرى لإنتاج دقيق القمح بأحدث التقنيات.
ويقول مدير الإنتاج في الشركة علاء الحاج: "رغبنا في الحصول على شهادة "أيزو 22000" منذ عام 2011م، ذلك أن عملنا جله مع شركات دولية، تقدم المساعدة للفلسطينيين في قطاع غزة، كوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)".
ويضيف الحاج لصحيفة "فلسطين": "إن تلك المؤسسات الدولية تفضل إرساء عطاءاتها على المطاحن التي لديها شهادة الجودة العالمية، فكان ذلك بداية التحفيز لشركتنا".
ويبين أن الشركة تعاطت إيجابيًّا مع الشروط والمراحل كافة التي تتطلبها الشهادة، كإنشاء مختبر لتأكيد الجودة، وتطبيق نظام لإدارة سلامة الغذاء، وإزالة بعض المباني وإضافة أخرى، والتعقيم والعزل، وإنشاء فتحات تهوية جديدة، وغير ذلك.
ويعد المسؤول في الشركة الشهادة بمنزلة جواز السفر، الذي سيمكن الشركة من الدخول إلى الأسواق العالمية.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية للشركة 200 طن قمح يوميًّا، وعدد العاملين 60 عاملًا.
شركة أبو عيطة
من جهته يعبر بسام أبو عيطة، المدير التنفيذي في شركة جمال الدين أبو عيطة لصناعة الأجبان والألبان والمواد الغذائية؛ عن فرحته الغامرة بحصولهم على شهادة الجودة العالمية.
ويبين أبو عيطة لصحيفة "فلسطين "أن الشركة القائمة على مساحة دونم أنشأت مبنى كاملًا ضمن الإجراءات المطلوبة للحصول على الشهادة بتكلفة 220 ألف دولار، وأجرت تعديلات في المداخل، والأرضيات، والأسقف والجدران، وغير ذلك.
ويؤكد أن شركتهم تهتم بزيادة منتجاتها بزيادة الأجهزة والمعدات الصناعية، وتهتم في المقام الأول بنظافة هذه الأجهزة.
وطال مزرعة أبو عيطة التي كانت تمد المصنع باحتياجاته من الحليب عدوان الاحتلال الإسرائيلي سنة 2014م، ما اضطر الشركة إلى اشتراء حاجتها من الحليب من المزارع الأخرى.
ويعمل بشركة أبو عيطة نحو 24 عاملًا، وإنتاجها يذهب إلى السوق المحلي.
مجموعة اليازجي
يقول مدير الإنتاج في مجموعة اليازجي للمشروبات الخفيفة، رجب الغزالي: "إن شهادة "أيزو 22000" هي إثبات لقدرة الصناعة في قطاع غزة على الوصول إلى العالمية، باتباعها أفضل الأنظمة".
ويؤكد الغزالي لصحيفة "فلسطين" أن الشركة أعادت تأهيل مصنع الإنتاج في غزة وطورته، وأدخلت ماكينات خطوط إنتاج حديثة، في سياق مواكبتها المعايير والمواصفات المعمول بها.
ويضيف: "إن الشركة تعمل بخطوات ثابتة وجهد دؤوب لتطوير مصنعها في غزة، الذي أسس عام 1961م، وتسعى إلى العمل دائمًا بإتقان وعلى أكمل وجه، بموجب المواصفات القياسية الدولية، لتحسين وتطوير الإنتاج وتقديم أفضل الخدمات والمنتجات للمستهلك الفلسطيني".
ويشدد على أهمية الضغط على الاحتلال للسماح للمصانع والشركات في غزة بتصدير منتجاتها إلى أسواق الضفة، والأسواق الخارجية، الذي من شأنه أن يعزز مكانة المنتج الوطني.
شركة مأرب
من جانب آخر، استطاعت شركة مأرب للصناعة والتجارة أن تحول ما ألم بها من كارثة الحريق، الذي أتى عليها في 2016م، إلى دافع تنطلق منه إلى فضاء العالمية، إذ إنها أعادت بناء ذاتها من جديد بأكثر من 700 ألف دولار، متبعة في الشكل الجديد الأنظمة والمعايير المطلوبة للحصول على شهادة "أيزو 22000".
يقول المدير العام للشركة صلاح الدين المقادمة لصحيفة "فلسطين": "إن الشركة بفضل هذه الشهادة سوف تصدر أولى شحناتها من إنتاجها من (الشيبس) إلى هولندا قريبًا".
والشركة -حسب إفادة المقادمة- بها خمسة خطوط إنتاج للـ(شيبس)، وتسعى إلى إضافة خطوط جديدة في إطار تطوير عملها.
ويشير إلى أن الشركة تولي المسؤولية المجتمعية اهتمامًا كبيرًا، وترعى لقاءات وورش عمل تنظمها مؤسسات المجتمع المدني.
وأسست الشركة في أوائل عام 1994م بمدينة غزة, وقد اتخذت "مأرب" اسمًا لها لأن مؤسسها عمل مديرًا في شركات اليمن مدة 18 عامًا.
شركة الأمير
وحصلت شركة الأمير لإنتاج مختلف أنواع البوظة والـ(آيس كريم) على شهادة "أيزو 22000"، وترنو إلى عودة بيع إنتاجها في أسواق الضفة الغربية والأراضي المحتلة سنة 1948م، بعد أكثر من 34 عامًا على انطلاق عملها في السوق.
ويقول المدير العام للشركة محمد الوادية لصحيفة "فلسطين": "إن شركتنا أنفقت نحو 50 ألف دولار على تطوير ذاتها، حتى استطاعت أن تحصل على شهادة (أيزو 22000)".
وأسست الشركة لإنتاج (الآيس كريم) والبوظة مختلف أنواعها سنة 1985م في مدينة غزة، بادئةً مشروعها بطريقة بدائية بأربعة عشر عامل ومساحة لا تزيد على 500 م2.
ونظرًا إلى متطلبات واحتياجات السوق من (الآيس كريم) والبوظة بدأت الشركة تفكر في تطوير مشروعها على أرض مساحتها 3600م2 عام 2000م، وصمم المصنع حسب المواصفات العالمية.
وطال الشركة عدوان الاحتلال سنة 2014م، ما كلفها مليون ونصف مليون دولار، ويعمل بها الآن 60عاملًا.