خمس وعشرون دقيقة فقط كانت كافية لسقوط الهالة الإعلامية التي أحاطت بها دولة الاحتلال أجهزتها الاستخبارية والأمنية، فقد كشف الفيلم الأمني "سراب" الذي أنتجته كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح المسلح لحركة حماس وبثته قناة الميادين اللبنانية خلال الساعات الماضية زيف أسطورة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي تمتلك تقنيات تجسسية هي الأكثر تقدماً في العالم، وبلغت ميزانيتها السنوية 2.4 مليار دولار بحسب تقرير نشرته صحيفة هآرتس العبرية مطلع مايو 2017م، من خلال إنجاز أمني كبير سطرته المقاومة الفلسطينية بالصوت والصورة ونشرته على شاشات التلفاز.
فقد كشف فيلم "سراب" وبالتفاصيل المصورة كيف نجحت المقاومة الفلسطينية المحاصرة منذ ثلاثة عشر عاماً في تضليل جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك"، وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" التابعة لهيئة أركان جيش الاحتلال لمدة عامين كاملين خلال الفترة 2016 – 2018م، من خلال غرس مواطن فلسطيني كمصدر للمعلومات لدى أجهزة أمن الاحتلال، وإيهامها أنها نجحت في استدراجه وتوجيهه بهدف تدمير القدرات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية، دون أن تدرك تلك الأجهزة أنها وقعت في شَرَك أمني مُحكَم أعدته المقاومة الفلسطينية، واستخدمته طيلة عامين في إرسال معلومات مُضلِّلة ومُوَجَّهة لجيش الاحتلال.
ما كشفته المقاومة الفلسطينية اليوم يأتي ضمن سلسلة خفية من جولات الصراع الأمني المتواصلة مع جيش الاحتلال، فقد وجهت المقاومة ضربة أمنية كبرى للاحتلال في نوفمبر من العام الماضي حين كشفت توغل قوة إسرائيلية داخل غزة فقتلت قائدها وأصابت نائبه بجراح قبل أن يتمكن جيش الاحتلال من سحب بقية أفراد الوحدة تحت غطاء كثيف من القصف الجوي العنيف بأكثر من ثمانين غارة جوية خلال دقائق معدودة، وفي العقد الماضي وتحديداً في منتصف العام 2006م سجلت المقاومة الفلسطينية نجاحاً كبيراً بتنفيذها عملية أمنية معقدة نتج عنها مقتل ضابطين اسرائيليين واصابة ستة جنود آخرين، علاوة على تدمير دبابة "الميركافاة" التي تباهت دولة الاحتلال بأنها الأكثر تطوراً في العالم، وأيضاً تمكنت المقاومة من أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط وإخفائه لخمس سنوات متواصلة في غزة وإرغام الاحتلال على الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل تحريره من الأسر، كما نجحت في العام 2004م في استدراج قوة إسرائيلية شرق مدينة غزة أسفرت آنذاك عن مقتل جندي إسرائيلي وإصابة أربعة آخرين، في عملية اعتبرها جيش الاحتلال ضربة أمنية موجعة.
ربما من الإنجازات الأمنية المهمة التي سطرتها المقاومة الفلسطينية اليوم هو كشفها مخططات الاحتلال تجاه القدرات الصاروخية للمقاومة، وسعيه الأمني الحثيث وبذله الجهود الكبيرة لتدميرها، في دلالة واضحة على مدى تأثر دولة الاحتلال بالضربات الصاروخية التي تنطلق من غزة والتي تمكنت المقاومة بفضلها من شل أركان دولة الاحتلال خلال المواجهات العسكرية السابقة، إضافة إلى نجاحها في تأمين جبهة المقاومة والجبهة الداخلية الفلسطينية من الاختراق الأمني الذي لم يتوقف يوماً بإقرار عدد من قادة المقاومة.
كما سجلت المقاومة نجاحاً لافتاً ولمدة عامين متواصلين في تهشيم صورة ضابط الشاباك الإسرائيلي الذين تحاول أجهزة أمن الاحتلال نسج هالة زائفة من القدرات الأمنية الخارقة من حوله، بهدف ابتزاز المواطنين الفلسطينيين واستدراجهم في وحل العمالة، فقامت المقاومة اليوم بفضح أساليب عمل تلك الأجهزة، وكشفت طرق تفكيرها، بل وتضليل ضباطها، ودفعتهم لإرسال بعض الأدوات والتقنيات الأمنية التي استلمتها المقاومة تباعاً وبهدوء وعلى مدار أشهر متواصلة.
يحق للفلسطيني اليوم أن يفخر بإنجاز المقاومة وهي تدير وبذكاء معركة أمنية خفية مع جيش الاحتلال، وترسل رسائل شتى بهذا الكشف المصور، فهي من جهة تؤكد للاحتلال على قدرتها في ملاحقة أذرعه الأمنية دون دراية منه، وفي المقابل ترسل رسائل طمأنة للشعب الفلسطيني بأن المقاومة الفلسطينية بأجهزتها المختلفة باتت عصية على الاختراق، بل قادرة على حماية المجتمع الفلسطيني من محاولات الاحتلال المستميتة لضرب الجبهة الداخلية الفلسطينية.