كان الشهيد باسل الأعرج مهتمًا بجغرافيا فلسطين، يعرف بلداتها وقراها بشكل جيد، مثقف ومفكر يحب قراءة الكتب والروايات. فقد تركز جزء من نشاطاته حول قيادة رحلات استكشافية وتعارفية على قرى وبلدات فلسطين.
اهتم بالتاريخ الكفاحي والنضالي للشعب الفلسطيني، وبالثورة الفلسطينية عام 1936، أبحر في تاريخ المقاومة الفلسطينية بجنوب لبنان، سبعينيات القرن الماضي، واطلع على العمل المقاوم بالانتفاضة الأولى والثانية، اهتم بالتجربة الثورية التي أنتجها الشعب الفلسطيني ككل، وحروب العصابات التي أنتجتها البشرية بفيتنام والصين والثورة الجزائرية.
المثقف باسل الأعرج والذي كان يُنظر لثقافته وحبه لفلسطين بشكل علني عبر الملتقيات الثقافية وصفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، أبقى جزءًا غامضًا عن طبيعة عمله المقاوم ضد الاحتلال.
في صبيحة يوم أول أمس، استيقظت عائلة الشهيد على وقع خبر أن شابًا مجهول الهوية في مدينة رام الله، استشهد بعد اشتباك مع قوات الاحتلال استمر من الساعة الثانية حتى الرابعة فجرًا.
يقول شقيق الشهيد سعيد الأعرج (34 عامًا) في حديثه لصحيفة "فلسطين": تفاجأنا أن الشهيد هو أخي باسل من خلال إذاعة نبأ استشهاده عبر وسائل الإعلام.
ولكن تفاصيل بطولة الشهيد الأعرج، كتبت سطورها بالدم في مخيم قدورة قرب مدينة رام الله الذي استأجر باسل فيه بيتًا قبل ثلاثة شهور، بعد رحلة من الاعتقال في سجون السلطة استمرت خمسة أشهر، وستة أشهر من مطاردة الاحتلال له.
كان على موعد مع اشتباك استمر لساعتين، انتهت حكاية مثقف ومقاوم بعد محاصرة قوات الاحتلال وإطلاق قواته قذيفة "انيرجا"، وكانت بداية قصة رجل سيبقى أثره الثقافي في كل من استكشف معه تاريخ فلسطين الذي يحاول الاحتلال سرقته.
رحلة مع المطاردة
مطاردة من قبل الاحتلال لباسل بدأت منذ 2007، إلا أن رحلة المطاردة الفارقة بدأت بعد أن جرى اعتقاله في سجون السلطة في 9 إبريل/ نيسان 2016، هو وخمسة من أصدقائه على خلفية الرحلات الاستكشافية ونشاطهم ضد الاحتلال.
في البداية اعتقلتهم مخابرات السلطة في ابريل/ نيسان الماضي، وقام بالتحقيق معهم وحولهم إلى النيابة العامة، التي أوقفتهم 48 ساعة، وبعدها تم إيقافهم 45 يومًا على ثلاث مرات، وبعدها نقلوا إلى سجن أريحا ونقل معهم ملفهم لمحكمة أريحا، ثم نقلوا مرة أخرى لمقر شرطة رام الله، التي بدورها مددت توقيفهم بأمر من النيابة العامة.
وانتهى الاعتقال في سجون السلطة بعد أكثر من خمسة أشهر كانوا خلالها تحت ظروف اعتقال قاسية، وأفرجت عنهم في 8 من سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد أن أعلنوا في 28 آب/ أغسطس الماضي الإضراب عن الطعام بسبب المماطلة في قضيتهم.
وقال شقيق باسل: "أبلغني أخي أنه جرى تعذيبه وشبحه وضربه بجميع الأشكال والطرق في سجون السلطة، حتى أنه في أول مرة من شدة الضرب توقف قلبه عن النبض وجرى نقله للمستشفى، ثم نقلوه في ست مرات أخرى إلى المستشفى على خلفية التعذيب أثناء التحقيق معه في سجن بيتونيا".
"لكنه وأثناء تواجده في سجون السلطة، لم يقبل أن يعيش إلا ندًا ويرفض أن يكون ذليلاً، ومات شريفًا يرفع الرأس"، يقول سعيد، ولا يخفي أنه لم تقابل عائلته باسل منذ الإفراج عنه وبدء مطاردته من قبل الاحتلال التي اقتحمت منزلهم 10 مرات.
"اختار باسل أن يموت مشتبكًا صامدًا يرفض الذل والاعتقال".. يتحدث سعيد بنبرة صوت يبدي خلالها فخره بشقيقه: "ظل أخي معتقلاً في سجون السلطة دون أن توجه إليه لائحة اتهام. كان جريئا، يطرح رأيه بكل شجاعة، يناصر الحق، ويسانده عاش منذ طفولته على هذه الطريقة، فكان سهلاً عليه أن يعود إلى المنزل وتعتقله قوات الاحتلال لكنه رفض ذلك وفضل أن يعيش مطاردًا".
المعتقلون الستة
تحدثنا مع والدة هيثم سياج، أحد المعتقلين الستة الذين أثارت قضيتهم الرأي العام، والذي كان من ضمنهم باسل، وهو أحد المقربين إليه، فتقول لنا: "لم أكن أعرف أن هيثم صديق باسل، لكن حينما اختفوا لعشرة أيام قبل اعتقالهم من السلطة، ووجد أحد عمال النظافة وثائق شخصية تعود لهيثم وباسل وجهاز حاسوب "لابتوب" وهواتف نقالة، فسألت عن باسل؛ فوجدت أنه شخصية عامة ومشهورة كناشط سياسي برام الله".
وكان ضابط في مخابرات السلطة سأل والدة هيثم ما الذي جمع ابنها البالغ من العمر (18 عامًا) مع باسل (31 عامًا).. فهناك فارق بالسن؟.. وذلك لحظة اعتقال الأصدقاء الستة.
أم هيثم تدرك أنه لا يوجد غرابة في فارق السن، فابنها الذي أصبح من أكثر المقربين لباسل، اعتقل لدى الاحتلال الإسرائيلي 15 شهرًا قبل اعتقاله لدى السلطة، ومن الطبيعي من وجهة نظرها أن يدخل الأسير السجن شبلا ويخرج أسدًا".
وأضافت "بالعكس، إني فخورة أن ابني مع أشخاص مثقفين وطلبة جامعيين بعد أن حرمته السلطة من تقديم امتحانات الثانوية العامة بفعل اعتقاله بسجونها".
وأشارت إلى أن الشهيد باسل يحب القراءة، وينظم جلسات ثقافية.
"باسل جزء مهم من الحراك الشبابي الذي نشط قبل ثلاث سنوات" .. والكلام هنا للكاتب ساري عرابي، والذي عايش باسل في ملتقيات ثقافية برام الله.
ويرى عرابي في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أن انتقال باسل من التنظير الثقافي لخوض تجربة مقاومة فردية يدلل على أنه كان صادقًا، مضيفًا "لم يكن باسل إنسانا سريا، بل كان يكتب على صفحته على موقع فيس بوك، ويشارك بالمظاهرات والمسيرات بعضها معارضة للسلطة، مشيرا إلى أن باسل أصيب بعد ضربه على رأسه من قبل أجهزة السلطة في إحدى المظاهرات.
أما الجانب المخفي بشخصية باسل أنه حاول أن يمارس عملاً مقاومًا بشكل مباشر، ويكمل "أن باسل انتمى للشعب الفلسطيني، وأن قرار الاختفاء وممارسة العمل المقاوم نقطة تحول على مستوى باسل نفسه".