لم تفلح محاولات الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في فرض قراراتها العنصرية على الشعب الفلسطيني بفضل وحدته وتماسكه؛ وفق مراقبين، وسط مطالبات للسلطة في رام الله بتنفيذ قرارات المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني وإنهاء اتفاق أوسلو.
وشكل صمود وتماسك الشعب الفلسطيني وقواه، لطمة قاسية على وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكبير مستشاريه جاريد كوشنر وبعض الأنظمة الغربية التي كانت تسعى لتمرير مخططات تصفوية للقضية الفلسطينية، كالاعتراف بالقدس المحتلة "عاصمة" مزعومة لـ(إسرائيل)، ونقل السفارة الأمريكية إليها، والعمل على إنهاء حق العودة، وعمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" ضمن ما عرفت بـ"صفقة القرن".
ووقع ترامب، في السادس من ديسمبر/ كانون أول 2017 قراره المذكور بشأن القدس، وهو ما قوبل برفض فلسطيني ودولي وبموجة غضب امتدت لتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي مارس/آذار 2018 انطلقت مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية في قطاع غزة، للتأكيد على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وكسر الحصار المزمن المفروض على القطاع للسنة الـ13 تواليًا.
ويؤكد عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين طلال أبو ظريفة، أن حالة الإجماع الوطني الفلسطيني عطلت الإعلان عن صفقة القرن الأمريكية وجري تأجيل الإعلان عن مضمونها أكثر من مرة.
ويقول أبو ظريفة لصحيفة "فلسطين": "إن إصرار شعبنا على رفض الصفقة أقفل الطريق أمام ترامب، وجاريد كوشنر وبعض الأنظمة العربية لتمرير مخططاته التصفوية للحقوق الوطنية لشعبنا".
ويضيف: "ليعرف المجرم ترامب وكوشنر، وكل من يتواطأ معه بأن كل هذه المحاولات الرامية للنيل من شعبنا وقضيته العادلة مصيرها الفشل، وستنتصر إرادة شعبنا الفلسطيني على كل مشاريعهم المشبوهة".
ويبين أن الشعب الفلسطيني ومن خلفه أحرار العالم ورفضه للصفقة وقرارات ترامب المنحازة للاحتلال الإسرائيلي وإقامة فعاليات شعبية عارمة في الوطن والشتات، وبالإضافة إلى مسيرات العودة، رسالة للعالم بأنه لن نتخلى عن الحقوق الوطنية لشعبنا في العودة والدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وسنفشل كل المؤامرات المشبوهة التي تحاول تصفية قضيتنا.
ويذكر أن استمرار مسيرات العودة وكسر الحصار بطابعها الشعبي وأدواتها السلمية كسلاح فعال بيد الشعب الفلسطيني لإفشال كل المخططات الرامية للنيل من شعبنا وقضيته العادلة، مشيرًا إلى أن مجابهة صفقة ترامب تتطلب استراتيجية تستند إلى الإعلان عن انتهاء المرحلة الانتقالية التي نصت عليها الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير والاحتلال، بما انطوت عليه من التزامات.
ويدعو أبو ظريفة إلى وقف التنسيق الأمني بكل أشكاله مع سلطات الاحتلال، والتحرر من علاقات التبعية الاقتصادية التي نص عليها بروتوكول باريس الاقتصادي، ومقاطعة منتجات الاحتلال، وتبني حركة مقاطعة (إسرائيل) وسحب الاستثمارات (B.D.S) ودعوة دول العالم إلى فرض عقوبات عليها، مؤكدًا أن ما يعيق تبني هذه الاستراتيجية هو الخلل الفادح في أداء قيادة السلطة ومنظمة التحرير.
"صمود شعبنا"
من جهته يقول الناطق باسم حركة الأحرار ياسر خلف: "إن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وقراراتها المتماهية مع الأخير لن تكون إلا حبرًا على ورق، وستسقط بصمود شعبنا".
ويضيف خلف لصحيفة "فلسطين": "إن القرارات الأمريكية ضد الفلسطينيين وأرضهم تمثل استمرارًا في العدوان الأمريكي على شعبنا وحقوقه وقضيته وأرضه"، مؤكدًا أن وحدة شعبنا قادرة على إفشال مخططات تصفية القضية الفلسطينية.
ويصف خلف أن سياسات السلطة تجاه الفلسطينيين في الضفة والقطاع بأنها "عدوانية، تفضح ادعاءاتها بأنها ضد صفقة القرن"، عادًّا أن "السلطة جزء من أدوات تمرير صفقة القرن, وتسعى لتحقيقها"، مدللًا على ذلك باستمرار إجراءاتها العقابية ضد غزة، ومواصلة التنسيق الأمني، وملاحقة واعتقال المقاومين والأسرى والمحررين والطلاب؛ وفق تعبيره.
ويتساءل: "هل من يدعي أنه ضد صفقة القرن يقوم بهذه الممارسات التي لا تخدم إلا الاحتلال وصفقة القرن؟ أم يحشد قوى شعبه لمواجهتها؟"، داعيًا لوقف التنسيق الأمني والتحرر من اتفاق "أوسلو".
ويتابع: "نحن أمام فرصة تاريخية لتحقيق المصالحة من خلال إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة وحدة وطنية تمارس دورها ومهامها في تقوية الجبهة الداخلية والحالة الفلسطينية لمواجهة كل المخاطر الداخلية والخارجية؛ فاستمرار الانقسام لا يصب إلا في مصلحة الاحتلال ويخدم مخططات ترامب العنصرية ويساهم في تمريرها".
ويشدد على ضرورة إتمام المصالحة وتحقيق الوحدة وحشد كل قوى شعبنا وبلورة استراتيجية وطنية قائمة على مواجهة التحديات والتصدي لكل المؤامرات الرامية للنيل من قضيتنا ووحدتنا وشعبنا.
ومثل إعلان ترامب بشأن القدس تخليا مفاجئا لمراقبين، عن سياسة أمريكية قائمة منذ عقود تمثلت بعدم منح هذا الاعتراف الرسمي لـ(إسرائيل).
وافتتحت الولايات المتحدة سفارتها الجديدة في القدس المحتلة في 14 مايو/أيار 2018.
وجاءت هذه الخطوة تتويجا لوعود إبان الحملة الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة، قطعها ترامب وسفيره الحالي في (إسرائيل) ديفيد فريدمان، بالاعتراف بالقدس "عاصمة" مزعومة للأخيرة، وزعم أن المستوطنات "ليست غير شرعية"، وهو ما أعلنه أخيرا وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو.
وكانت إدارة ترامب قررت في 31 أغسطس/آب 2018 وقف التمويل كليًا عن "أونروا"، بعدما قررت في مطلع العام المذكور تخفيض الدعم السنوي الذي تقدمه للوكالة من 365 مليون دولار إلى 125 مليونا، لم تقدم منها آنذاك إلا 60 مليونا فقط.
وكان التمويل الأمريكي للوكالة يمثّل سابقًا ثلث ميزانيتها السنوية البالغة 1.24 مليار دولار.