عامان مضيا على اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمدينة القدس المحتلة "عاصمة" لدولة الاحتلال الإسرائيلي، لكن المردود القانوني أو السياسي على الأخيرة "صفري"، وفق رأي الدبلوماسي السابق أسعد أبو شرخ.
ويقول أبو شرخ لصحيفة "فلسطين": "إنّ دول العالم الوازنة من الناحية العملية رفضت قرار ترامب علنًا، أو سرًّا؛ تحاشيًا لأي مواجهة "غير محسوبة العواقب" مع الإدارة الأمريكية المتطرفة".
ويشير إلى أن دول العالم أدركت تمامًا أن واشنطن استندت في قرارها إلى شريعة الغاب، ومنطق القوة والبلطجة، وضربها عرض الحائط بالقوانين الدولية والأممية الصادرة على مدار عمر احتلال القدس.
وكان إعلان ترامب بشأن القدس في نظر مراقبين تخليًا مفاجئًا عن سياسة أمريكية قائمة منذ عقود، تمثلت في عدم منح (إسرائيل) هذا الاعتراف الرسمي.
وافتتحت الولايات المتحدة سفارتها الجديدة بالقدس المحتلة في 14 أيار (مايو) 2018م.
وجاءت هذه الخطوة تتويجًا لوعود إبان الحملة الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة، قطعها ترامب وسفيره الحالي في (إسرائيل) ديفيد فريدمان، بالاعتراف بالقدس "عاصمة" للأخيرة، و"شرعية" المستوطنات، وهو ما أعلنه أخيرًا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.
وقطعت واشنطن مساهمتها المالية في ميزانية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وشنت عليها هجومًا دبلوماسيًّا وإعلاميًّا وسياسيًّا في مسعى لإنهاء عملها، إرضاءً للاحتلال الذي يرفض حق عودة هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم التي هجرتهم العصابات الصهيونية منها سنة 1948م.
وينبه أبو شرخ إلى أن من وقف مع واشنطن في قرارها "الظالم" بعض الدول الصغيرة الهامشية، ذات التأثير المحدود سياسيًّا وعسكريًّا، التي تعيش على "قوت أمريكا"، وتقع تحت وصاياتها، وتأتمر بأمرها.
ويضيف: "لو لم تصوت بعض هذه الدول في الأمم المتحدة أو مجلس الأمن لبعض القرارات التي طرحتها الإدارة الأمريكية لمصلحة (إسرائيل) لما عرف بها أحد؛ فهي ذات وزن سياسي يكاد يكون معدومًا".
ويؤكد أبو شرخ أن دول العالم تدرك تمامًا أن القوانين والقرارات الدولية التي أقرت وصُوّت لها لمصلحة القدس والقضية الفلسطينية خطوط حمر، وأن القدس في حقيقة الأمر ووفقًا لهذه المقررات مدينة محتلة، لا يجوز بأي حال من الأحوال للمحتل أن يبسط سيطرته القانونية والسياسية عليها، بل لا يجوز له أن يغير من واقعها الديموغرافي أو الجغرافي شيئًا".
ويشير إلى أن كثرًا من المجتمع الأمريكي وشرائحه ونخبه ومستوياته السياسية يدركون هذه الحقائق، وأن القدس لا يمكن أن تكون "عاصمة" للاحتلال، وفقًا لما يقره القانون والقرارات الدولية، في حين يصفون سياسات ترامب بالخرقاء التي لم يقدم عليها أكثر الإدارات خدمة ومساندة للاحتلال الإسرائيلي.
ويؤكد أن ترامب لم يتخذ قراره بشأن القدس إلا محاولة لإرضاء "اللوبي الصهيوني"، ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، و"الصهاينة المسيحيين"، في أرجاء العالم.
ويشدد أبو شرخ على أن المتغيرات السياسية التي رغب فيها ترامب ونتنياهو بهدف تغيير واقع القدس، وانفراط عقد الدول بحذو المسار نفسه، "لم تحدث"، وبقيت القدس في العرف والقرارات الدولية مدينة محتلة.
وينبه إلى أن التناقض الأمريكي مكشوف دوليًّا، وجاء على عكس قرار (2334) في مجلس الأمن الذي اتخذ عام 2016م، وينص على أن "إنشاء (إسرائيل) المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967م، وفيها شرقي القدس، ليس له أي شرعية قانونية".
ويذكر أبو شرخ أن الاحتلال استفاد في أمور ثانوية من قرار ترامب بالاعتراف بالقدس "عاصمة" له، لكنه لم يستفد من الناحية القانونية بترسيخ مزاعم أن "المدينة يهودية خالصة"، وأن الفلسطينيين لا علاقة لهم بها، في أي من المحافل أو المؤسسات الدولية.
موقف السلطة
ويلفت إلى أنه في مقابل ذلك لم تتخذ السلطة في رام الله أي إجراءات جادة وفاعلة ترتقي إلى مستوى الإعلان الأمريكي بشأن القدس المحتلة، ولم يصدر منها سوى بيانات الاستنكار والتنديد، وهو ما يشير إلى المستوى الحقيقي لما تملكه بالفعل لمواجهة البلطجة الأمريكية والسياسات الإسرائيلية الخطيرة.
ويؤكد أن العمل الدبلوماسي والسياسي في مقابل خطوة ترامب بشأن القدس كان ينبغي أن يعتمد أولًا وأخيرًا على أن المدينة احتلت سنة 1948م، في خطوة رفضها المجتمع الدولي، حتى الولايات المتحدة الأميركية، ثم استكمل احتلالها بالسيطرة على شرقي القدس سنة 1967م، في حين تنص القرارات الدولية على أن الأخيرة أرضٌ محتلة.