يعيش قطاع غزة في أوضاع اقتصادية ومالية صعبة جدًّا تحت الحصار، ما أدى إلى تراكم الديون على الأسر واضطرارها إلى اتخاذ قرار التقشف في النفقات، ومعه وقعوا في مشكلة حقيقة مع أبنائهم الذين لا يستوعبوا التغيير المفاجئ.
كيف يتأثر الأطفال بهذا التغيير وتراجع أوضاع أسرتهم المالية؟، يجيب الاختصاصي النفسي إسماعيل أبو ركاب: "من تعود العيش في طوارئ يقل لديهم الشعور بالعجز، ولديهم القدرة على التكيف والمواءمة أكثر ممن تعودوا الاستقرار مدة طويلة".
ويقول أبو ركاب لصحيفة "فلسطين": "أما فيما يتعلق بالأطفال -وخصوصًا في مجتمعنا الغزي الذي يعاني أزمات متتالية على أكثر من صعيد- فإن الجانب الاقتصادي للأسرة ينعكس بصورة مباشرة ومهددة لكينونتها، والأكثر تأثرًا هما الوالدان، وذلك الأمر له انعكاس واضح على الأبناء في الاحتياجات الأساسية والاحتياجات العاطفية".
ويشير إلى أنه إذا كان هناك غموض في الرؤية، بسبب عدم المصارحة بين الأم والأبناء، فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي الطارئ الذي تمر به الأسرة، وعدم حصول الطفل على المصروف اليومي الذي اعتاد، أو خفض نسبته دون توضيح للحدث الطارئ الذي سبب الأزمة؛ سترتفع نسبة التوتر والقلق.
ويلفت أبو ركاب إلى أن التراجع المفاجئ للوضع المالي للأسرة سيزيد من نسبة تشتت انتباه الأبناء، وإذا زادت المدة من الممكن أن يدخل الطفل في مرحلة القلق على المستقبل، لعدم تلبية الاحتياجات الأساسية لديه، ومنها المصروف اليومي الذي بنظره استحقاق طبيعي له، لذا سينظر إلى المحيط بسلبية مفرطة، وهذه النظرة لها انعكاس سلبي على فكرته عن ذاته.
إشراكهم في القرار
وعن سؤال: "كيف يمكن للأم التعامل مع الأطفال في هذا الوضع؟" يجيب: "الطريقة الآمنة هي تعويد الأطفال أن يكونوا جزءًا من حالة اتخاذ القرار داخل الأسرة؛ فهذا يجعلهم أكثر تقديرًا للوضع القائم، بل يشعرهم بأنهم على الرغم من عدم تلبية رغباتهم الشخصية أشخاص لهم احترامهم ولهم كينونتهم".
ويتابع أبو ركاب: "هذا له انعكاس إيجابي يخفف من حدة الوضع الطارئ الذي تعانيه الأسرة، والأمر الآخر على الأم المحاولة بقدر الإمكان التدرج في سحب جميع الامتيازات التي كان يتمتع بها الطفل المصروف اليومي أو بعض الاحتياجات الأساسية، بمعنى أن يأخذ الطفل نصف المصروف كل يوم أفضل من قطعه، حسب حالة كل أسرة".
وحرمان الأطفال أمر غير مقبول، إذ يوضح أن من الممكن التكيف والمواءمة مع بعض الظروف، خصوصًا أن المشكلة لا تقتصر فقط على الأطفال في المنزل، بل ممكن أن تنعكس على جميع مناحي الحياة خارجه.
ويشير إلى أنه في وقت الاستراحة في المدرسة ينظر بعض الأطفال إلى محيطهم فيشاهدون زملاءهم الآخرين يشترون ويأكلون، وهذه المواقف من أكثر الأشياء التي من الممكن أن تؤثر في نفسية الطفل وتشعره بالحرمان.
ويدعو أبو ركاب الأسر التي لا تستطيع أن تعطي الطفل المصروف على الأقل أن توفر له وجبة غذائية يأكلها في الاستراحة المدرسية، أو أن يعطى بعض الأشياء البسيطة التي ممكن أن تشعره بالتعويض الجزئي عن الحرمان الكامل.
ويذكر أنه يمكن للأسرة بأقل التكاليف أن تخرج إلى التنزه أو بزيارة عائلية، كل تلك الأنشطة تخفف من حدة الأزمة، وتخفف من حدة الضغط الذي يعانيه الطفل.
ويؤكد أبو ركاب أنه من السهل تأقلم الطفل مع الواقع الجديد، ولكن تراجع تلك القدرة في الدرجة الأولى يقع على عاتق الوالدين ومدى قدرتهما على منع الصدمة الأولى للتغير الاقتصادي، ومحاولتهما التدرج والتسلسل في اتخاذ الإجراءات التقشفية.