تزداد التكهنات حول الانتخابات الفلسطينية المزمع إجراؤها وما تبعها من اشتراطات حملها رئيس لجنة الانتخابات حنا ناصر من رئيس السلطة محمود عباس إلى حركة حماس والفصائل, الأمر الذي دفع حماس لمفاجأة الجميع عبر موافقتها على الاشتراطات وتذليل كل العقبات المتوقعة وإبداء مرونة لم يتوقعها رئيس السلطة الذي بدا غير متحمس لإصدار مرسوم في وقت قريب.
رد حماس المكتوب أظهرها الأكثر حرصا على إجرائها، لتصبح الكرة الآن في ملعب رئيس السلطة لإصدار المرسوم الرئاسي، لكن بعض التصريحات التي أطلقها مسؤولون من حركة فتح حول رد حماس بصورة لا تكافئ المواقف الوطنية التي قدمتها الحركة يثير قلق الخبراء والمحللين وحتى المواطن، فكيف يمكن أن نفهم هذه التصريحات وفى أي سياق تأتي؟
من جانب آخر يعتبر بعض القيادات المحيطة برئيس السلطة أنه ليس في عجلة من أمره لإصدار هذا المرسوم وأن هناك ظروفا أخرى يجب أن يتم تهيئتها ومنها الحصول على موافقة الاحتلال في إمكانية إجرائها في القدس لضمان الوحدانية الجغرافية والسياسية، فماذا ستقول السلطة حال رفض الاحتلال إجراءها في القدس؟! هل نحن أمام تأجيل أم تعطيل؟! وماهي مخاوف رئيس السلطة وفتح التي تظهرها الآن أقل تحمسا؟
لا شك أن الأجواء الحالية بدت غير مواتية لفتح لإجراء الانتخابات، خصوصا أن هناك حملة إعلامية منظمة ضد حركة حماس على خلفية إقامة المشفى الأمريكي في غزة بزعم أنها قاعدة أمريكية استخباراتية، والتهديد بوقفه بأي ثمن كان، ترافق ذلك مع محاولة تبهيت المحادثات الجارية في القاهرة التي جمعت قيادتي حماس والجهاد بالمخابرات المصرية، لإلصاق تهم بالحركة حول نيتها وقف العمل المسلح في غزة وعقدها هدنة طويلة الأمد مع (إسرائيل) مقابل بعض المشاريع الانسانية، الامر الذى تنفيه حماس والجهاد وحتى بعض المصادر المصرية المطلعة.
فقطاع غزة المحاصر يئن من الألم ويذبح بسيف الإجراءات الانتقامية التي اتخذها رئيس السلطة ويشهد تدهورا قاسيا في شتى مجالات الحياة ويقف على حافة الكارثة، فلم يتغير شيء يمكن أن يخفف من هذا النزيف، فيما تشهد الضفة الغربية تضييقا واسع النطاق وقيودا أمنية على نشاط الأفراد وعمل المؤسسات التي تتبع حماس، هذا الى جانب الاستدعاءات والاعتقالات.
أما ملف القدس فلا أعتقد ان أحدا من الفلسطينيين يريد أن تكون القدس خارج هذه الانتخابات، لكن (إسرائيل) غير معنية بدخول القدس ضمن هذه الحالة وهي تحرص على عزل القدس وإبقائها بعيدة عن مربع تأثير السلطة، ولا حاجة لإعطائهم تمثيلا وشرعية في هذه البقعة المقدسة، صحيح أنه يمكن ممارسة ضغوط على الاحتلال الإسرائيلي، لكن هذا لا يعني أن تكون هناك موافقة فهي تتذرع دوما بالمخاوف الأمنية وغيرها.
هنا يجب أن تكون لدى قيادة السلطة خيارات منطقية في ظل واقع الاحتلال وألا تدع ذلك يشكل سببا للتأجيل أو حتى تعطيل الانتخابات بذريعة منعها في القدس والا سيعتبر أي قرار بالتأجيل أو التعطيل بمثابة احد المخارج التي حاولت رئاسة السلطة اللجوء اليها بعد أن أدخلت نفسها في ورطة الانتخابات.
فلا يخفى على أحد الظروف الاستثنائية التي تعيشها حركة فتح في ظل حالة التجاذب بين تيار يتبع رئيس السلطة، وبين تيار يتبع محمد دحلان والذي يتهم أبو مازن بالإخفاق السياسي وتمزيق صفوف الحركة بإجراءاته التي طالت الكوادر والقواعد بقطع الرواتب والإحالة للتقاعد وتهميش المحافظات الجنوبية، الأمر الذي يمكن أن يتسبب بانتكاسة للحركة حال دخول الانتخابات.
وهي تجد نفسها أمام خصم سياسي قوي ومتماسك لم يتأثر بمحاولات الاستهداف المتكررة وبدا مستعدا لدخول المعترك الانتخابي لتجديد شرعيته والخروج من عزلته السياسية ورفع الحصار عن القطاع وإيجاد أرضية له في الضفة الغربية تشكل تحولا في رسم المشهد السياسي الفلسطيني، منطلقا للعالم الخارجي وفاعلا من جديد في تمثيل الشعب الفلسطيني.
لا شك هذه المخاوف تؤرق رئيس السلطة فهو يحسب حساباته الآن ويقرأ المشهد جيدا، ويبحث خياراته فلديه من المكر ما يسعفه لإيقاف هذه العجلة وتشغيل المكابح بشكل يفاجئ الجميع وهناك من القوالب والذرائع ما يمكن أن يغلف قراره بطابع ودافع الحرص الوطني، على أي حال أتمنى أن نكون بعيدين عن أي من الخيارات القاسية؛ خصوصا تدخل المنظومة الأمنية لتشكل الإنقاذ للموقف من خلال اختلاق مشهد أمني يكون ذريعة لتفجير الأوضاع من جديد والتجارب سابقة وعالقة في الأذهان.