"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" حديث روي عن سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهو خير البرية وخاتم المرسلين، فالرسول الكريم قائد الأمة لم يتوان لحظة واحدة حال حياته عن وضع يده مع أيادي أهل بيته في كل أمورهم، ولم تمنعه عن ذلك مشاغله، وهل توجد مشاغل أعظم من نشر دين الله في العالم أجمع؟!
عن مساعدة الرجل لزوجته في المنزل بين ثقافة المجتمع والأصل الشرعي يتحدث إلى صحيفة "فلسطين" أستاذ علم النفس الاجتماعي د. درداح الشاعر، مشيرًا إلى رد السيدة عائشة (رضي الله عنها) عندما سئلت: "ما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يصنع في بيته؟"، إذ قالت: "كان يكون في مهنة أهله (تعني: خدمة أهله) فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".
ويلفت الشاعر إلى أن المرأة المسلمة الحرة يجب أن يوفر لها الزوج خادمة في البيت، فإن لم يستطع أن يوفر لها خادمة فليس أقل من أن يساعدها، معللًا ذلك أن الزواج شراكة وتحمل مسئولية التربية والبيت، فالأصل أن الزوج يقدم كل أشكال المساعدة لهذه الزوجة الرائعة التي تقدم له كل خدمة حبًّا وكرامة، وهذه الخدمة هي صدقة عليه وعلى أولاده، فالرجل يجب أن يشارك زوجته ويقاسمها الأعباء والمسئوليات في تربية الأبناء والبيت.
ويستدرك بقوله: "صحيح أن الرجل له مسئوليات وأدوار خارج البيت، والمرأة داخل البيت لها مسئوليات وأدوار، ولكن عند إدارة البيت يجب أن يكون هناك تقاسم للأدوار في نظافة البيت، وفي تربية الأبناء"، مشيرًا إلى أن هناك بعض الأعمال التي لا تقدر عليها المرأة، وتحتاج إلى الرجل، لذا يجب أن يقاسمها الأعباء، وهذا ليس ترفًا أو كرمًا من الرجل، بل هو حق وواجب على الرجل تجاه زوجته.
وبسؤال أستاذ علم النفس الاجتماعي عمّن يصف المساعد لزوجته بالمحكوم، يوضح أن هذه الثقافة الذكورية في بعض المجتمع العربي، فمن الرجال من لديه شعور بالغرور والأفضلية في القوامة، ويسحب هذه الأفضلية على كل شيء، ويعتقد أنه السيد في البيت، والمرأة هي الأمة والعبدة التي يفترض أن تقدم له كل أشكال الولاء والطاعة والتقدير.
ويعتقد أن هذا المفهوم متصل بالذكورية السائدة في بعض المجتمع العربي، والمأخوذة من الجاهلية، فالقرآن الكريم عابها في قوله (تعالى) في سورة النحل: "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ".
فالقرآن الكريم –كما يوضح- لم يوافق هذا الخلق، بل على العكس، عاب هذه الأفكار ومعتنقها، مستدركًا: "لكنها ثقافة المجتمع الذكوري، والشعب العربي في كثير من الأحيان تحكمه العادة والثقافة المجتمعية ولا تحكمه العبادة، وهذا –يا للأسف!- واقع في مجتمعنا، فيبحثون عن عاداتهم وتقاليدهم على حساب العقيدة والتعاليم".
قدّرها تقدرك
ويلفت الشاعر إلى أن من الآثار السلبية لتنصل الرجل من مساعدة أهل بيته –بداية أكد أنه مخالف للدين وقيم الرجال- أن المساحة النفسية بينه وبين زوجته ستقل كثيرًا، ومستويات الاحترام والتقدير والمحبة والمشاركة الوجدانية ستقل بين الرجل والمرأة.
ويتابع: "إضافة إلى أن المرأة سترهق من الناحية البدنية والجسدية، فكيف سيطلب أن تؤدي زوجته حقوقه وهي مرهقة؟!، فالأصل أنها ملكة في مملكتها، ويجب أن يوفر لها كل سبل الراحة، حتى تؤدي حقوقه".
ويشير أستاذ علم النفس الاجتماعي إلى أن هذا يعني تناقضًا واضحًا في المشاعر، فكيف يريدها أن تكون ملكة له وعبدة في بيته؟!، فإما أن تكون ملكة أو أن تكون عبدة، مضيفًا: "المرأة ستكون مرهقة من الناحية البدنية والنفسية، وسيكون هناك قلة في التوافق المشاعري والمزاجي، وستكون بدايات للخلاف والفرقة التي قد تنتهي إلى الطلاق، إذا كانت أوامر الرجل وتقصيره في بيته لا يطاقان، ويتعامل بنظرية (سي السيد)".
إذًا كيف يمكن التغلب على ثقافة "سي السيد"؟، يعلق: "يا للأسف!، هذه الثقافة تشكلت، لكن الأهم أن الأجيال القادمة يجب أن تتربى على التربية الصحيحة، ومفادها أن الطفل يجب أن يساعد أخته الطفلة، والشاب يساعد أخته الشابة، حتى نبني ثقافة جديدة نعرف منها أن المرأة هي جزء منا، ونحن لا نمتلك أفضلية عليها إطلاقًا إلا بتقوى الله، فلكل من الرجل والمرأة حقوق وعليهما واجبات".
ويتابع أستاذ علم النفس الاجتماعي: "أن يعرف الإنسان ما له وما عليه، وأن يقوم بما له وما عليه، هذا سيحلل شيئًا فشيئًا هذه الثقافة، فنحن بحاجة لأن نبدأ من تربية الأطفال في البيت والمدرسة على تربية مفادها أن المرأة ليست نصف المجتمع، بل كل المجتمع، فلولاها ما كان هناك رجال يبنون ويقاتلون".
ويشدد على أهمية إعلاء شأن المرأة وقدرها، وزيادة تقديرها في نفس الأبناء، حتى إذا صاروا كبارًا تدربوا على مساعدة هذه المرأة زوجة وأختًا وأمًّا.
أخيرًا عن شكل الحياة الزوجية كيف سيكون لو ساعد الرجل زوجته؟، يقول الشاعر: "ستكون هناك ألفة، ومحبة، وإحساس مشترك بالأدوار المشتركة، وهناك مستويات من القيمة الرائعة وتقدير واحترام، وهناك الصورة الجمالية للبيت المتماسك الذي لا يعلو فيه صوت إلا صوت الكلمات الطيبة، وتجتمع الأسرة على مائدة الحب والوئام".