ثمّن صحفيون وحقوقيون قرار الاتحاد الدولي للصحفيين بإرسال بلاغ رسمي للمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية؛ لفتح تحقيق رسمي في اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحفيين الفلسطينيين، عادّين ذلك "خطوةً إيجابيةً على طريق التذكير باستمرار جرائمه في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
وكان الاتحاد الدولي للصحفيين قرر إرسال البلاغ من أجل فتح تحقيق فوري في الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية الخطيرة ضد الصحفيين الفلسطينيين، وسيرسل لجنة تقصي حقائق للقاء الصحفيين.
رئيس المعهد الفلسطيني للاتصال والتنمية، الصحفي فتحي صبّاح، عد خطوة الاتحاد الدولي للصحفيين "مهمةً جدا"؛ كونها المرة الأولى التي يقرر فيها الاتحاد مثل هذه الخطوة، مستبعدا في الوقت ذاته إمكانية نجاحها؛ نظراً للغطاء السياسي الذي تمنحه الولايات المتحدة الأمريكية لـ(إسرائيل) في المحافل الدولية كـ"مجلس الأمن" و"الجنائية الدولية".
واستدرك صباح في حديث لصحيفة "فلسطين" بالقول: "تبقى خطوة مهمة ستجعل (إسرائيل) تعرف أنها ليست بمنأى عن المساءلة، وأنه لن يعود بمقدورها التصرف كما تشاء، حيث هناك مطالبات عالمية بملاحقتها، ومنظمات حقوقية فلسطينية أعدت ملفات بانتهاكاتها منذ سنوات طويلة، ما سيشعرها بالقلق، وأنها ليست طليقة".
ولفت إلى أن هناك جهات نقابية ستعد ملفاً متكاملاً حول انتهاكات الاحتلال ضد الصحفيين كمعاذ عمارنة، والشهيدين ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين، وتقدمه بمساعدة المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية وبمشاركة الاتحاد الدولي للصحفيين إلى "الجنائية" الدولية.
وأكد صباح أن جرائم الاحتلال بحق الصحفيين لن تسقط بالتقادم، وإنْ لم يتمكنوا اليوم من محاكمته فإن المستقبل يحمل في طياته إمكانية ذلك.
زيارة غزة
وثمن رئيس لجنة دعم الصحفيين صالح المصري قرار الاتحاد الدولي للصحفيين، داعياً اللجنة المنبثقة عنه إلى زيارة قطاع غزة أسوة بالضفة الغربية والقدس المحتلتين؛ للاطلاع على حجم الاعتداءات الإسرائيلية التي طالت الصحفيين خاصة في مسيرات العودة وكسر الحصار، وهو ما أدى لاستشهاد وإصابة العشرات منهم.
وأوضح المصري في حديث لـ"فلسطين"، أنه منذ بداية العام الجاري، أصيب برصاص الاحتلال 86 صحفيا بغزة، و77 بالضفة، ما يجعل زيارة لجنة الاتحاد الدولي لغزة ضرورية للاطلاع على الاعتداءات.
ودعا المؤسسات الدولية الصامتة حيال الانتهاكات ضد الصحفيين كـ"اليونسكو" و"مجلس حقوق الإنسان" وغيرها لإعلاء صوتها أمام جرائم الاحتلال بحق الصحفيين الذين كان آخرهم المصور الصحفي "عمارنة" الذي فقد عينه.
وأكد ضرورة استثمار القرارات الدولية لمحاسبة الاحتلال، وتوحيد المجموع الصحفي الفلسطيني، عادا انقسامه "معضلة يستغلها الاحتلال فيستهدف الصحفيين في الضفة وغزة، لذلك نحن بحاجة لنقابة قوية تدافع عن حقوقهم في المحافل الدولية".
وأضاف المصري أن "وحدة الجسم الصحفي الفلسطيني تمكننا من استثمار حالة التضامن المحلية والعربية والدولية مع الصحفي عمارنة، في ظل وجود قرار سياسي إسرائيلي على مستوى كبير باستهداف الصحفيين؛ لمحاكمة الاحتلال ومحاسبته على جرائمه المتواصلة".
قتل عمد
في حين أوضح المدير العام لمؤسسة "الحق" لحقوق الإنسان، شعوان جبارين، أن ما سيرسله الاتحاد الدولي للصحفيين للمحكمة الجنائية يعد "بلاغاً" ضمن بلاغات عديدة وصلت إليها حول قتل واستهداف (إسرائيل) المدنيين عن عمد دون وجود أي ضرورات عسكرية تبيح ذلك.
وقال جبارين لـ"فلسطين"، إن المحكمة ستتعامل مع استهداف الصحفيين على أنه "قتل خارج نطاق القانون" لمدنيين محميين بموجب القانون الدولي وليس ضمن وضعية استثنائية أو خاصة للصحفيين.
وأضاف أنه كون الصحفي واضحا ومميزا بلباسه وأدواته وكاميراته يجعل تمييزه من جنود الاحتلال أمراً سهلاً، لذلك يعد استهدافه "عملية قتل عمد واضحة المعالم"، لا يمكن للاحتلال تبريرها كما يفعل مع مدنيين آخرين بادعاء أنه لم يميزهم أو يرهم يحملون أشياء في أيديهم.
وتابع أن قانون "الجنائية" الدولية لا يفرض حماية خاصة للصحفيين، "لكن ستنقل قضايا استهدافهم لها على أنها جرائم حرب"، مشيراً إلى أن المحكمة لديها كم هائل من المعلومات بخصوص استهداف المدنيين بانتظار انتقالها من مرحلة الفحص الأولى للتحقيق.
وبين جبارين أن مشوار توثيق جرائم الاحتلال طويل، تقوم به المؤسسات الحقوقية الفلسطينية منذ خمس سنوات، مردفا: "قدمنا ست مذكرات بهذا الخصوص إحداها بلغت 800 صفحة، وكل البلاغات قدمت وفقاً للأصول القانونية والإجرائية للمحكمة، ونحن نلتقي بالمدعية العامة بشكل دوري".
وأبدى أسفه لكون الضغوط السياسية التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية ضد المحكمة من تهديد المدعية والقضاة بعدم السماح لهم بالسفر وحجب حساباتهم البنكية وغيرها من ممارسات البلطجة، تجعل المحكمة تحجم عن اتخاذ إجراءات عملية في تلك القضايا.
وأشار إلى أن المحكمة تستقبل أي مذكرات قانونية سواءً من أفراد أو مؤسسات حقوقية وفقاً للمادة 15 من ميثاقها، وتتعامل معها بشكل رسمي في حال كانت مقنعة وكافية، مستدركا: "لكن في إطار القضية الفلسطينية المحكمة ليست بحاجة لمزيد من المعلومات بل بحاجة للضغط لتفعيل إرادتها لأن تنتقل لمرحلة التحقيق، وهذا ما يجب أن يمارسه كل الفلسطينيين لإخراجها من دائرة الخوف من أمريكا".
وعد البلاغ الذي سيقدمه الاتحاد الدولي للصحفيين صوتا إضافيا آخر يؤكد للمحكمة أن جرائم الحرب الإسرائيلية مستمرة وهي لم تتحرك بعد، لذلك فتحرك الأجسام الدولية لن يكون سلبياً بل يندرج في إطار الضغط الإيجابي على المحكمة.