مطلع نيسان (أبريل) 2016م، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مرسومًا رئاسيًّا يقضي بتشكيل أول محكمة دستورية في فلسطين مكونة من تسعة أعضاء، لتكون أول هيئة قضائية عليا توصف بأنها "مستقلة وتمثل أعلى سلطة قضائية"، لكن ذلك لم يحظ بإجماع وطني.
وفور إعلان عباس قراره تشكيل المحكمة الدستورية، طالبت مؤسسات حقوقية أهلية مجتمعة بإلغاء قرار تشكيل المحكمة الدستورية، والتراجع عن تعديلات قانون المحكمة التي أقرّها عباس؛ في حين أعلنت فصائل فلسطينية معارضتها ورفضها هذا القرار.
ورغم مرور ثلاث سنوات على عمل المحكمة، واستمرار "تفرد رئيس السلطة في اتخاذ قراراته، وعدم إشراك الكل الفلسطيني فيها"، وفق أقوال مراقبين، إن القوى الوطنية والإسلامية -وفي مقدمتها حركة المقاومة الإسلامية حماس- تؤكد جاهزيتها لإجراء الانتخابات.
لكن الأجواء التي تحمل في طياتها الأمل في إجراء الانتخابات، خطوةً على طريق إنهاء الانقسام، الذي يضرب بأطنابه جدران القضية الفلسطينية، تتطلب خطوات، منها "تحييد المحكمة الدستورية" قبل إجراء أي انتخابات؛ كما يقول المراقبون.
ويدعو حقوقيون وقانونيون في أحاديث مع صحيفة "فلسطين" إلى "تحييد المحكمة الدستورية" وتشكيل "محكمة الانتخابات"، وجعل أحكامها قطعية الدلالة ونهائية ولا يجوز الطعن فيها أو في أي قضاء آخر.
ويرى هؤلاء أن المحكمة الدستورية شكلت بهدف "ضمان سيطرة حركة فتح على سدة الحكم، إن خسرت في أي انتخابات مقبلة، في حال عقد الانتخابات الفلسطينية"، وهذا ما يتخوف منه الجهور الحقوقي والوطني مع الحديث عن عقد الانتخابات.
وكانت حركة المقاومة الإسلامية حماس قالت في 26 أيلول (سبتمبر) الماضي إنها مستعدة للانتخابات العامة الشاملة، التي تضمن الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، في أعقاب إعلان عباس خلال خطابه في الأمم المتحدة اعتزامه الدعوة للانتخابات عند عودته إلى رام الله المحتلة.
وأكدت الفصائل بعد اجتماع قادتها إلى وفد لجنة الانتخابات المركزية برئاسة حنا ناصر، في غزة في 29 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي؛ موقفها الوطني الجامع "ضرورة عقد لقاء وطني شامل ومقرر، ممرًا إجباريًّا لازمًا لضمان انتخابات وطنية تجمع شعبنا ولا تفرقه، وتنهي الانقسام ولا تكرسه".
وقبل ذلك بيوم أكد رئيس حماس في غزة يحيى السنوار جاهزية حركته الدائمة للانتخابات الفلسطينية.
"محل خلاف"
رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق سامي صرصور يؤكد أن إنشاء المحكمة الدستورية عام 2016م صاحبه إنكار واعتراض كبيران على تشكيلها، لأنها ستكون تكريسًا للانقسام الفلسطيني.
ويقول صرصور في حديث مع صحيفة "فلسطين": "العقبات التي تعترض إجراء الانتخابات عديدة، منها المحكمة الدستورية، التي هي محل خلاف فلسطيني في تشكيلها وقراراتها الصادرة في الضفة الغربية".
ويوضح أن المطلوب "تحييد المحكمة الدستورية، والأخذ بهذا الرأي لتجنب مشكلة الطعن في نتائج الانتخابات وخلافات قانونية المحكمة الدستورية"، مشيرًا إلى أن استمرار عمل المحكمة الدستورية "قد يكون عقبة أمام إجراء الانتخابات الفلسطينية".
ويرى القاضي صرصور أن تشكيل محكمة خاصة للانتخابات الفلسطينية، من قضاة مستقلين "مشهود لهم بالنزاهة"؛ مخرج سليم، لإنجاح أي انتخابات فلسطينية قادمة.
بدوره يؤكد الخبير القانوني مدير الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" صلاح عبد العاطي أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" قدمت مرونة عالية وأجواءً إيجابية، لتذليل عقبات إجراء الانتخابات الفلسطينية.
ويقول عبد العاطي في حديثه مع صحيفة "فلسطين": "استمرار عمل المحكمة الدستورية، وهيمنة السلطة التنفيذية (في الضفة) على القضائية، لا يجوز؛ لكونه سيعطل الحياة النيابية والانتخابية في فلسطين".
وفي 10 من الشهر الجاري، أعلن رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية سلسلة خطوات لـ"تذليل أي عقبات في سبيل إنجاز ملف الانتخابات الفلسطينية"، قائلًا: "إن الموقف الوطني العام من الانتخابات كان مرتكزًا على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني، ولكن أمام إصرار حركة فتح وكرمال هالوطن تنازلنا وقبلنا إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، ولم تتعاطَ السلطة، وكرمال وطننا قبلنا إجراء انتخابات تشريعية، يليها انتخابات رئاسية، في مدة زمنية محددة".
وآنذاك أضاف هنية: "وكرمال وطننا قدمنا التنازلات والمرونة طيلة السنوات الماضية وحتى هذه اللحظة، وكرمال وطننا قلنا إن قانون التمثيل النسبي لن يكون عقبة أمام الانتخابات، ووافقنا على رسالة أبي مازن (عباس)".
وورد في رسالة عباس المتداولة إعلاميًّا بنود عدة، منها إصدار مرسوم رئاسي واحد لإجراء الانتخابات التشريعية تتبعها الرئاسية في تواريخ محددة، وأن تجرى الانتخابات استنادًا إلى القانون الأساس، وأن تجرى الانتخابات التشريعية على أساس قانون النسبية الكاملة، وأنه بعد إصدار المرسوم الرئاسي لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بمواعيدها المحددة يطلب عباس من جميع الفصائل والقوى والفعاليات الفلسطينية فتح حوار بينها لإنجاح الانتخابات، واشترط الرد الخطي بالموافقة على رسالته.
ويشدد عبد العاطي على أهمية "تشكيل محكمة خاصة للانتخابات متفق عليها وطنيًّا كما جرى في اتفاق القاهرة 2011م، وتحصين أحكام هذه المحكمة، وأن تكون "باتة وقطعية ونهائية"، مع عدّ المحكمة الدستورية غير دستورية إذ صاحب تشكيلها جدل كبير إضافة إلى عدم قانونيتها.
ويقول: "مصير محكمة الانتخابات يحدد بالتوافق الوطني وبالاتفاق على المحكمة وتشكيلها وصلاحياتها وفق القانون، إضافة إلى الاتفاق على قضاتها، على أن تعقد بحكم الضرورة الموضوعية والجغرافية".
ويشير إلى إمكانية عقد هذه المحكمة حال تشكيلها في قطاع غزة والضفة الغربية، للنظر في أي طعون في الانتخابات، وإيجاد رقابة قضائية كاملة على الانتخابات والعملية الانتخابية وما يعقبها من طعون.
ويدعو الخبير القانوني إلى الاتفاق على نسبة الحسم في الانتخابات، وضمان المكتسبات النسوية للمرأة والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة والقطاعات المختلفة، وتعديل "الكوتة" الخاصة بهم، بإقرار قانون انتخابات عصري، يحترم رغبة المجتمع وقطاعاته المختلفة.