لا يزال الحراك الذي تشهده الساحة السياسية الفلسطينية بشأن إمكانية إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مستمرًّا، رغم بعض العراقل التي تقف عثرة أمامها؛ فالقوى والفصائل تسعى إلى تذليل الطريق أمامها في سبيل إنجاحها.
والمتابع لحراك الانتخابات، وزيارات وفد لجنة الانتخابات إلى قطاع غزة أكثر مرة في المدة الماضية، يلحظ المرونة التي أبدتها الفصائل، وفي مقدمتها حركة المقاومة الإسلامية حماس، أملًا في إجراء انتخابات حقيقية، يختار بها الشعب الفلسطيني قيادته.
وإزاء سلسلة التحركات والشروط التي يفرضها رئيس السلطة محمود عباس بين الفينة والأخرى، وتُقابلها الفصائل بمرونة، وآخرها الموافقة على إصدار المرسوم الرئاسي للانتخابات قبل اجتماع القوى الفلسطينية، يبقى السؤال المطروح عن الضمانات المتاحة لتنفيذ قرارات المجلس التشريعي الجديد، حتى لو كان حل الحكومة التي شكلها رئيس السلطة محمود عباس برئاسة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية.
وكانت حماس قالت في 26 أيلول (سبتمبر) الماضي إنها مستعدة للانتخابات العامة الشاملة، التي تضمن الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، في أعقاب إعلان عباس خلال خطابه في الأمم المتحدة اعتزامه الدعوة للانتخابات عند عودته إلى رام الله المحتلة.
وأكدت الفصائل بعد اجتماع قادتها إلى وفد لجنة الانتخابات المركزية برئاسة حنا ناصر، في غزة في 29 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي؛ موقفها الوطني الجامع "ضرورة عقد لقاء وطني شامل ومقرر، ممرًا إجباريًّا لازمًا لضمان انتخابات وطنية تجمع شعبنا ولا تفرقه، وتنهي الانقسام ولا تكرسه".
وقبل ذلك بيوم أكد رئيس حماس في غزة يحيى السنوار جاهزية حركته الدائمة للانتخابات الفلسطينية.
وفي 10 من الشهر الجاري، أعلن رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية سلسلة خطوات لـ"تذليل أي عقبات في سبيل إنجاز ملف الانتخابات الفلسطينية"، قائلًا: "إن الموقف الوطني العام من الانتخابات كان مرتكزًا على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني، ولكن أمام إصرار حركة فتح وكرمال هالوطن تنازلنا وقبلنا إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، ولم تتعاطَ السلطة، وكرمال وطننا قبلنا إجراء انتخابات تشريعية، يليها انتخابات رئاسية، في مدة زمنية محددة".
وآنذاك أضاف هنية: "وكرمال وطننا قدمنا التنازلات والمرونة طيلة السنوات الماضية وحتى هذه اللحظة، وكرمال وطننا قلنا إن قانون التمثيل النسبي لن يكون عقبة أمام الانتخابات، ووافقنا على رسالة أبي مازن (عباس)".
وورد في رسالة عباس المتداولة إعلاميًّا بنود عدة، منها إصدار مرسوم رئاسي واحد لإجراء الانتخابات التشريعية تتبعها الرئاسية في تواريخ محددة، وأن تجرى الانتخابات استنادًا إلى القانون الأساس، وأن تجرى الانتخابات التشريعية على أساس قانون النسبية الكاملة، وأنه بعد إصدار المرسوم الرئاسي لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بمواعيدها المحددة يطلب عباس من جميع الفصائل والقوى والفعاليات الفلسطينية فتح حوار بينها لإنجاح الانتخابات، واشترط الرد الخطي بالموافقة على رسالته.
النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني د. حسن خريشة يقول: "إن إجراء الانتخابات في فلسطين انتصار للديمقراطية الفلسطينية، ومدخل لإنهاء الانقسام السياسي"، مشيرًا إلى أنها حق للمواطن واستحقاق على السلطة.
ويتابع خريشة لصحيفة "فلسطين": "إن إجراء الانتخابات "حدث مهم" في الشارع الفلسطيني"، معربًا عن أمله أن تتسم التحركات الجارية بالجدية الكافية وصولًا إلى مرسوم رئاسي بإجراء الانتخابات.
ويضيف: "مطلوب إيجاد أجواء حقيقية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، باحترام الحريات العامة، وحرية الرأي والتعبير".
ويؤكد ضرورة وجود ميثاق شرف بين القوى والفصائل الفلسطيني، ثم الالتزام به بعد صدور نتائج الانتخابات، متوقعًا إجراء انتخابات هذه المرة "ذات طابع خاص"، لأنها ستكون بإشراف دولي وجامعة الدول العربية.
وكانت حماس اكتسحت نتائج الانتخابات التشريعية في 2006م، بحصولها على 76 مقعدًا من أصل مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132، لكن عباس أعلن العام الماضي حل المجلس بقرار من المحكمة الدستورية التي شكلها منفردًا في رام الله ولا تحظى بإجماع وطني.
ضمانات التنفيذ
وعن ضمانات تنفيذ القرارات بعد صدور النتائج، يذكر خريشة أن وظيفة المجلس التشريعي هي التشريعات وسن القوانين، والرقابة على السلطة التنفيذية.
ويشير إلى أن الرقابة جزء مهم من إعطاء الثقة لأي حكومة ستتولى الحكم بعد ذلك، لافتًا إلى أن تطبيق القوانين الفلسطينية هو الضامن الوحيد لتنفيذ أي تشريعات عن المجلس التشريعي المنتخب.
ويؤيد ذلك رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي بغزة محمد فرج الغول، عادًّا الضمان الوحيد لتنفيذ أي قرارات لأي مجلس تشريعي هو القانون نفسه.
ويبيّن الغول لصحيفة "فلسطين" أن قوانين "التشريعي" ملزمة ويجب على الجميع الالتزام بها، لأنه المؤسسة التشريعية الوحيدة في الساحة الفلسطينية.
من جهته يوضح عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية محمود خلف أن قرارات المجلس التشريعي تتخذ بعد التصويت عليها بالإجماع، ثم صياغتها قانونيًّا، وهو ما يدل على أن الضامن الوحيد لتنفيذ القرارات هو "القانون".
ويشير خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين" إلى أن الانتخابات التشريعية ستُجرى وفقًا لقانون التمثيل النسبي الكامل، حسب الرسالة التي حملها وفد لجنة الانتخابات من رئيس السلطة محمود عباس.
وبالعودة إلى خريشة يشدد على ضرورة أن يُصدر عباس مرسومًا رئاسيًّا يُحدد فيه موعد إجراء الانتخابات.
ويؤكد ضرورة أن تجتمع كل الفصائل الفلسطينية، لصياغة وثيقة شرف تتضمن كل الآليات المتعلقة بالانتخابات والضمانات لتنفيذ قرارات المجلس المنتخب، داعيًا السلطة لفتح المجال للجميع والحفاظ على الحقوق العامة.
ويدعو أيضًا إلى إصدار قانون جديد للانتخابات يوضح "قانون النسبية الكاملة"، ويرفع أي شروط على من يريد ترشيح نفسه، مطالبًا الكل الفلسطيني بالالتزام بميثاق الشرف.
يُشار إلى أن أول انتخابات للسلطة أجريت عام 1996م، وكانت الرئاسية والتشريعية متزامنتين، وفي 2005م، أجريت الانتخابات الرئاسية قبل التشريعية، التي أعقبتها بعد أشهر معدودة في مطلع 2006م.