فلسطين أون لاين

لنصر المؤمنين نواميس وموانع

...
غزة/ أسماء صرصور:

نواميس النصر وقوانينه تناولها القرآن الكريم في العديد من آياته البينة، فما بين الغلبة والنصر والتمكين، ومعانٍ وتفسيرات عديدة لو أخذ بها المسلمون واتبعوا تكاليفها لنصرهم الله نصرًا مؤزرًا.

ويشير أستاذ التفسير وعلوم القرآن الكريم في كلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية وعضو رابطة علماء فلسطين د. صبحي اليازجي إلى أن النصر بيد الله عز وجل.

ويبين اليازجي أن البعض يعد النصر هبة من الله ويستحقه فيتواكل، ومن يعتقد أن واقعه لا يسمح بالنصر حاليًا، غير متذكرين لحركة التاريخ وصراع الحضارات المداولة بين الناس، فالأيام دول فلا دولة ستبقى إلى ما لا نهاية.

معاني النصر

والنصر يعني التأييد وقهر الأعداء والغلبة والاستعلاء عليهم، كما يقول، وبالنظر إلى الآيات القرآنية فهو بمعنى الحماية والدفع وأغلبها تأتي في سياق تهديد الكفار والمشركين، مثل قوله تعالى: "يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ"، و"وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ"، و"وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ".

ويقول: "فمن معانيه هنا الغلبة والظفر والفتح والتمكين والظهور والفوز والنجاة والفرقان وغيرها"، منبهًا إلى الآيات العامة في النصر والتي تظهر أن النصر للفئة المؤمنة على الكفار، مثل قوله: ""قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ"، و"وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ"، و"وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ".

ويشدد اليازجي على أن النصر له شروط، أولها الإيمان الذي يحمل على الطاعة والاستعانة بالله فيستحق المؤمنين النصر في قوله تعالى: "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ"، وثانيها الإعداد القوي وهو الإعداد العام وليس شرطًا كمال العدة، في قوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ".

وينتقل إلى الحديث عن أنواع النصر، نصر وعد الله به المؤمنين بعد تقديم الإيمان وإعداد العدة، ونصر تفضيلي مثلما حدث بين الروم والفرس وتفضيل فريق على آخر، ونصر المبدأ، مثل ما حدث مع أصحاب الأخدود الذين قتلوا جميعًا لكنهم انتصروا بمبدئهم والثبات عليه.

وينبه إلى أن النصر من عند الله، ومستحيل يأتي من البشر في قوله: "إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"، والنصر للمؤمنين في قوله: ""يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"، ولا نصر دون ابتلاء في قوله: ""أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ".

والنصر –كما يشير اليازجي- يحتاج إلى إعداد وقوة كما ورد في الآية سابقًا، قائلاً: "كلمة قوة ذكرت نكرة في الآية لتبين أن كل أنواع القوى على اختلاف أشكالها مطلوبة".

اختبارات لثبات الصف

وبالحديث عن إخلاص النوايا وتجرد النفوس يورد قصة بني إسرائيل وقيادة طالوت عليهم، في قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ".

ويضيف: "فوفق الآية طلبوا من النبي قائدًا للقتال، فأراد التأكد من عزيمتهم وأنهم خرجوا حقًا يريدون الدفاع عن أنفسهم، فالأمانة الكاذبة لا ترد حق مغتصب، كما ينبه، وأن الصدق مع الله لا تزحزحه عواصف ولا تهديد ولا زلازل، وصدق الإيمان أساس إرجاع الحقوق المسلوبة".

ليبدأ بعدها -كما يقول اليازجي- الاختبار الثاني: "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ".

فالقتال فريضة الآن لكن القائد ليس ملكًا، وهذا يعني رسالة حالية –كما يؤكد- أنه لا يشترط في القائد العسكري أن يكون من عائلة وجنس أو فئة معينة، بل لديه صفات مطلوبة، وهو ما يجب أن تنظر إليه التنظيمات والفصائل المقاومة.

ويكمل اليازجي: "وباختلافهم على الزعيم رد النبي لرأب الصدع واتحاد الكلمة وبيان استحقاقات طالوت كقيادة أنه اختيار من الله عز وجل، وهو ما نحن بحاجة إليه دومًا وسط المعارك برأب الصدع ".

ويتطرق إلى الحديث عن الاختبار الثالث وهو الابتلاء بالنهر أي الأكل والشرب والمسكن والدواء، وهو ما يبتلى به قطاع غزة، وعندها تثبت الفئة القليلة المؤمنة فيحق لها النصر في قوله تعالى: ""وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ".

وفي ذات السياق، يشدد اليازجي على أهمية الوحدة لنيل النصر في قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ"، فالفرقة لا تعطي نصرًا، ولذا يجب على هذه التنظيمات أن تعي أهمية البقاء متحدة وملتزمة بدين الله فالوطن لا يوحد القلوب ولا يألفها، مع ضرورة الالتجاء إلى الله.

موانع النصر

وأما بالحديث عن موانع النصر فيذكر ما كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنهما- ومن معه من الأجناد: "أما بعد؛ فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال؛ فإن تقوى الله أفضل العدّة على العدوّ، وأقوى المكيدة في الحرب.

وآمرك ومن معك أن تكونوا أشدّ احتراسا من المعاصي، منكم من عدوّكم ، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوّهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوّهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدّتنا كعدّتهم، فإذا استوينا في المعصية، كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا، لم نغلبهم بقوتنا.

واعلموا أن عليكم في مسيركم حفظة من الله، يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله؛ ولا تقولوا إن عدوّنا شر منا فلن يسلّط علينا، وإن أسأنا؛ فربّ قوم سلّط عليهم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفّار المجوس، فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا...".

وأيضًا يذكر اليازجي ما حدث يوم حنين حين أعجب المسلمون بكثرتهم في قوله تعالى: "لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ"، والركون إلى الكفار وتقليدهم في قوله تعالى: "وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ"، فكلها مسببات تمنع النصر إلى جانب غيرها من موانع.