قائمة الموقع

شمعة ميلاد الطفلة ليان يطفِئها الاحتلال بصاروخ

2019-11-14T08:45:06+02:00
الشهيد بهاء أبو العطا مع ابنته ليان قبل استشهاده

"يا بابا بدي أعملّك عيد ميلاد كبير تعزمي فيه كل صاحباتك"، تجيبه والسعادة تكاد تقفز من نظراتها: "حاضر يا بابا هعزمهم كلهم".. يشرد ذهن الطفلة ليان أبو العطا، بعدما تحوّل خضار عينيها إلى الذبول، كأنما يذهب إلى تفاصيل هذه الحكاية، التي لم يمضِ عليها سوى أيام، ولم تتحقق.

بالكاد تتماسك ليان، بعدما أحال صاروخ واحد على الأقل، من طائرة حربية تابعة للاحتلال الإسرائيلي حلمها إلى سراب، وأفقدها والدها الأربعيني بهاء أبو العطا، لكن هذه لم تكن مصيبتها الوحيدة، فهي فقدت والدتها أيضًا.

تجتمع النسوة حول هذه الطفلة، لكنهن جميعا يتوشحن باللون الأسود حزنًا، وقد تحولت ذكرى ميلادها التي تحل في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني إلى لحظة للبكاء على رحيل والديها عنها إلى الأبد، فقد باتت يتيمةً بفعل ذلك الصاروخ الذي اقتحم منزلا تقطنه الأسرة منذ نحو ثلاثة أشهر فقط، شرق مدينة غزة، حيث حي الشجاعية الذي لطالما ارتكبت فيه قوات الاحتلال المجزرة تلو الأخرى.

حتى ألعابها وغرفتها فقدتها الطفلة، التي يحتضنها مع إخوتها الأربعة ومنهم فاطمة (13 عاما)، منزل جدهم، حيث يقام بجواره بيت عزاء قد لا يسلم القادمون إليه من صواريخ الاحتلال أيضًا.

ولا تكاد تتوقف عينا ليان عن رسم مشاهد ما قبل شهادة والديها، أو عن الدموع، وهي تروي حكايات لا تعبر عن كم الوجع الكامن فيها كل اللغات! فهي لا تنسى أنها أيقظت عمتها عندما أخبرها أبوها بنبأ الاحتفال بذكرى ميلادها، وسارعت إلى إحضار الكولا وما تيسر من الكعك.

وتحكي ليان بصوت متحشرج كيف اتفقت مع أمها أن تدرسها وتوقظها عند الفجر، وعندما استيقظت الطفلة لوحدها لاحقا، نادت: "ماما.."، لكنها لم تجب، ورأت ليان ما رأت، من الدخان وتناثر معظم السقف.

من هذه اللحظة، تروي أختها فاطمة التي تنهمر الدموع من عينيها كالمطر في أربعينية الشتاء، تفاصيل الحكاية، قائلة بكلمات يعيق نطقها وجع وحزن مرير: عند منتصف الليل كنت مع أمي، ثم ذهبت إلى النوم، واستيقظت عند الثانية، وصرخت في ندائي على أمي وأبي لكن لم يجبني أحد، وصدمت بالسقف وقد انهار.

هرول إليها أخوها لإنقاذها، وكانت ليان تبكي وقد علقت قدمها بما تناثر من حجار، قبل أن تخرجا إلى الشارع، ثم إلى المستشفى دون أن تعرفا أن والديهما قد استشهدا، فسمعت فاطمة هناك من أحدهم أن أباها وأمها قد استشهدا.

وبقي في قدم فاطمة إلى جانب الصدمة، أثر إصابتها بقطع زجاجية متناثرة، وفي قدم ليان ما يؤكد أقاربها أنها حروق بفعل القصف.

لكن بقيت أيضًا ذكريات كأنما تراه فاطمة الآن بأم عينيها، وتسمعه بآذان صاغية، وهي التي يتردد على مسامعها صوت أبيها موصيا إياها: "تزعليش ستك يا بابا"، عندما أجابته: "ماشي".

كان أبو العطا يمثل قدوةً لفاطمة وإخوتها: سليم، ومحمد، وإسماعيل، وليان، وقد أوصاها مرارا: "بدي يا بابا تصيري دكتورة عشان تعالجي الناس، وديري بالك على أختك".

وتتحسر فاطمة على أنها لن تلتقي أمها مجددا، لكنها لن تنسى أبدا مواقفها معها وأعواما عاشتها في كنفها ورعايتها، وآخر هذه المواقف أن الطفلة كانت تعاني من الإنفلونزا، فعرضت عليها والدتها أن تعصر لها ليمونا، عساه يكون سببا في شفائها.

تعود فاطمة إلى الوراء قليلاً بشريط ذكرياتها، إلى اللحظة التي وعدتها فيها أمها بأن تصطحبها إلى السوق لشراء ملابس جديدة لفصل الشتاء، إذا أحسنت تقديم امتحان العلوم، لكن الذي أمطر الأسرة هو الصواريخ.

"كانت أمي تقول إنه لو استشهد أبي، فهي تتمنى أن تستشهد معه، وهما الآن في الجنة"؛ تواصل الطفلة كلامها المعجون بالألم.

واستشهاد أبو العطا كان مقدمة لعدوان احتلالي يشنه على قطاع غزة المحاصَر أصلا منذ 13 سنة، ويعيش مليونا فلسطيني فيه دون أدنى حقوقهم في الحياة بفعل هذا الحصار المزمن.

ورغم كل ذلك، لن يتوقف قطار حياة فاطمة وليان، وهما ستكملان مشوارهما الذي بدأتاه مع أبيهما وأمهما قبل استشهادهما، وستواصلان تعليمهما.

لكن يعزّ عليهما أنهما كانتا تتمنيان كباقي أطفال العالم أن تعيشا مع والدهما وأمهما، فصول الحياة.

"بحكي لأطفال العالم أنا بنت شهيد!"؛ توجه فاطمة كلماتها بكل أسى، بعدما قالت: "من حقي أعيش في حضن أبويا".

شمعة الـ11 ربيعا أطفأها الصاروخ وفقد الوالدين، هذا بات واقع ليان وفاطمة، لكن يشاركهما فيه العديد من الأطفال الذين حرمهم الاحتلالُ الطويل آباءهم، وحوَّلهم إلى أيتام.

اخبار ذات صلة