فلسطين أون لاين

نظرات في حصار قريش للنبي من معه

...

بقلم الأستاذ: الدكتور نعيم أسعد الصفدي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين سيدنا ونبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وأصحابه ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

بعد أن استعرضت في مقالات سابقة أحداث حصار قريش للنبي (صلى الله عليه وسلم) ومن معه من المسلمين في شعب أبي طالب يمكن استنباط ما يلي:

المرونة في التعامل مع معطيات الواقع:

إذ استفاد النبي (صلى الله عليه وسلم) من وقوف بني هاشم وبني المطلب معه وتحملهم آلام الحصار ولم يرفض هذه المساعدة، بل أُثْلج صدره (صلى الله عليه وسلم) بها لأنها لم تكن حماية مشروطة، ويوضح الدكتور الطيب برغوث مفهوم المرونة في التعامل مع معطيات الواقع بقوله: "القدرة على التكيف مع معطيات الواقع بما يضمن حماية الدعوة والمحافظة على منجزاتها والسير قُدُماً نحو الأهداف المنشودة في إطار ثوابت الشرع ومقوماته: والدليل على ذلك: استفادته (صلى الله عليه وسلم) من المعطى القبلي الذي كان يؤطر سلوك الناس ومواقفهم وتوظيفه لحماية الدعوة وقيادتها، كما يدل على ذلك موقف عمه أبي طالب منه، ولذلك لم يرفض النبي (صلى الله عليه وسلم) خدمات هؤلاء مع استمرار وفائهم لمواريث جاهليتهم، وهذا من المرونة الحركية المنضبطة التي كان يتميز بها المنهج النبوي في الدعوة، هذه المرونة في التعامل مع معطيات الواقع كان لها دور مهم في تخفيف الضغوط على الدعوة وقيادتها، وهو ما ساعد على توفير حدّ أدنى من الحماية لها، وضمان بعض شروط تواصل العمل رغم المحاولات المستميتة لإسقاط الحماية عن قيادة الدعوة واضطرارها إلى التنازل أو الانفراد بها، والقضاء عليها، وهو مؤشر مهم من مؤشرات الذكاء السياسي الذي يجب أن تتصف به قيادة الحركة لتخفيف الضغط عن نفسها، وتوفير فرص الثبات والاستمرارية لدعوتها، وإلا أصيبت بالجمود والضعف، وسهل على القوى المناوئة لها التأثير عليها بما قد يعرضها لمخاطر جمَّة، وهذه المرونة ساعدت كثيراً على انحياز جزء مهم من قوى المجتمع –وهم عشيرته– إلى صفِّه عصبية، وهو ما أدى إلى أزمة حادة بين قريش من جهة وبني هاشم وبني المطلب من جهة أخرى انتهت بما يشبه اليوم قطع العلاقات بصورة كاملة وفرض حصار محكم على كل من انحاز إلى صف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأتباعه للتأثير عليهم واضطرارهم إلى التسليم والتنازل.

ويشير الأستاذ منير الغضبان إلى هذه المرونة مع الانتباه واليقظة إذ يقول: "أن تستفيد الحركة من هذه الحماية أقصى حدود الاستفادة في التبليغ والبيان، أن تكون يقظة، فلا تقدم مقابل هذه الحماية أي تنازل عن عقيدة أو تراجع عن فكرة لمجاراة هؤلاء الذين يقدمون الحماية أو مجاملتهم، أن تصمت عن النيل منهم وشتمهم بصفتهم كفارًا، ما داموا يناصرون الدعوة، بل لا غرابة أن تثني على مواقفهم وتمدح شجاعتهم دون أن يصل الثناء إلى عقيدتهم".

للموضوع بقية والحمد لله رب العالمين.