مع اقتراب عقد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة لتجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) ثلاث سنوات في مطلع الشهر الجاري، تزداد حملة التشويه الممنهجة للوكالة الأممية بقيادة أمريكا ودولة الاحتلال الإسرائيلي للنيل من الشاهد الأساسي على حكاية اللجوء الفلسطيني.
وإضافة إلى ذلك، عمدت أمريكا ودولة الاحتلال إلى الضغط على الدول المانحة لوقف مساعداتها للوكالة الدولية، الأمر الذي زاد من التحديات أمامها للمحافظة على استمرارها في تقديم الخدمات للاجئين إلى حين العودة.
وكان تقرير لمكتب الأخلاقيات التابع للأمم المتحدة صدر في آب (أغسطس) الماضي كشف سوء إدارة واستغلال منصب لدى مسؤولين على أعلى مستوى في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، كما ذكر التقرير.
وعلى إثر التقرير أعلنت سويسرا وهولندا وبلجيكا تعليق مساعداتها للوكالة، بعد أن دفعت بلجيكا مساهمتها السنوية في تمويل (أونروا)، وقدرها 6.25 ملايين يورو، لكنها أعلنت امتناعها عن دفع مساهمة إضافية كانت مقررة، وقيمتها 5.35 ملايين يورو.
مكتب الأمين العام للأمم المتحدة أعلن مؤخرًا أن مكتب خدمات الرقابة الداخلية أكمل جزءًا من تحقيق جار بخصوص قضايا تتعلق بإدارة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وذكر المكتب أن نتائج تحقيق مكتب خدمات الرقابة الداخلية أظهرت بعض القضايا الإدارية التي تتعلق تحديدًا بالمفوض العام، لافتًا إلى أن المفوض العام بيير كرينبول قرر التنحي جانبًا، وسط علامات استفهام تحوم حول توقيت الاستقالة.
تواطؤ دولي
المدير العام لـ"الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين" علي هويدي أشار إلى ما نشرته صحيفة عبرية مؤخرًا ادعت فيه أن أمريكا ودولة الاحتلال لديهما شرطان لاستمرار عمل الوكالة: تخفيض مدة ولايتها الزمنية إلى سنة بدلًا من ثلاث سنوات، وفرض إجراءات صارمة على اتجاهات الصرف في الوكالة الأممية".
وأشار إلى أنه مع اقتراب عملية التصويت على تجديد الولاية لـ(أونروا) تظهر أصوات جديدة في إطار الضغط على الدول المانحة التي تقدم مساعداتها للوكالة، في إطار استهداف لقضية اللاجئين وحق العودة باستهداف الوكالة نفسها.
تحديات
وبين هويدي أن التحديات أمام الوكالة عديدة مع قرب التصويت، أولها أن أزمتها لم تكن أزمة مالية بل سياسية متجذرة ومتشعبة، ولها أبعاد عميقة تشرف عليها أمريكا والاحتلال, لم تبدأ مع وصول دونالد ترامب إلى رئاسة أمريكا، وإن كان الاستهداف غير المسبوق للوكالة حدث في عهده تماشيًا مع صفقة القرن.
التحدي الأول -وفقًا لقوله- يكمن في مدى قدرة (أونروا) على تقديم الخدمات، والثاني يكمن في العجز المالي والقدرة على تغطيته، فوصلت نسبة العجز خلال 2019م إلى 89 مليون دولار، والتحدي الثالث يكمن في مستوى بقاء (أونروا) واستمرار عملها إلى حين عودة اللاجئين.
وأشار أن العجز المالي أزمة مالية مزمنة تواجه الوكالة منذ تأسيسها، مشيرًا إلى أن وقف أمريكا دعمها للوكالة بقيمة 360 مليون دولار يأتي في سياق الرؤية الأمريكية لاستهداف الوكالة وتجفيف منابع الدعم كمقدمة لاستهداف حق العودة.
ولفت إلى أنه عام 2018م جرى تغطية العجز المالي بالكامل، بعدما بدأت الوكالة العام بعجز بلغ 446 مليون دولار، في حين بدأت الوكالة 2019م بعجز مالي بلغ 360 مليونًا، وصل حاليًّا إلى 89 مليون دولار لم تتم تغطيتها، مردفًا: "لدينا مخاوف أنه في حال لم يتم تغطيته، أن ينعكس ذلك بشكل سلبي في مناطق عملياتها الخمس".
بحسب هويدي، فإن العجز المالي متعمد ومتشعب بهدف حصار الوكالة وشطب قضية اللاجئين، مستدركًا: "لكن في المقابل هناك أصوات 191 دولة بالأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الإسلامي، أعلنوا دعمهم للوكالة، مستدركًا: عليهم ترجمة الأقوال لأفعال.
أما بقاء الأونروا، وفق هويدي، مرتبط بالجمعية العامة، وبقرار (194) الذي أكد حق عودة اللاجئين والتعويض، مبينا أن بقاء الوكالة مسؤولية دولية تجاه قضية اللاجئين والقرارات الأممية، وكذلك مسؤوليتها في توفير الدعم المالي لها.
ومع قرب تجديد الولاية للأونروا، يرى هويدي أن أخطر ما يواجه الوكالة عملية إضعاف الوكالة، بأن تبقى بالأمم المتحدة ولكن تتحول لمؤسسة رمزية، على غرار لجنة التوثيق الدولية حول فلسطين والتي كانت جزءًا من قرار (194) ولا تزال موجودة لكن عملها معطل منذ خمسينات القرن الماضي، بعد أن كانت مهمتها وضع آليات لعودة اللاجئين.
وأشار إلى أن سويسرا وهولندا وبلجيكا جمدت مساعداتها للوكالة إلى أن تعرض نتائج التحقيق، وهذه واحدة من نتائج الضغط الأمريكي على الدول المانحة.
وسبق أن دعا رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، في حزيران (يونيو) 2017م، إلى تفكيك (أونروا)، ودمج أجزائها في مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين العالمية.
يؤكد هويدي أن استقالة المفوض العام للوكالة، يفترض أن يقطع الطريق على كل الاتهامات التي كانت تتذرع بها أمريكا والاحتلال، ولم يعد –بعد صدور جزء من نتائج التحقيق الإداري– أي ذريعة باستهداف الوكالة، وأن تقوم الدول بالتصويت للوكالة.
صفقة القرن
إلى ذلك، قال المختص في شؤون اللاجئين ياسر علي: "إن إنهاء (أونروا) هو أحد بنود صفقة القرن، وما نشرته الصحف الإسرائيلية يهدف بطبيعة الاحتلال لاستكمال صفقة القرن بإنهاء عمل الوكالة وقضية اللاجئين الفلسطينيين".
وأضاف علي لصحيفة "فلسطين": "إن الاحتلال يجند كل عناصر قوته من أجل هذه الفكرة، وهو يقوم بخطوات متسارعة من أجل إنهاء (أونروا)، ومنع الدعم أو منع تجديد ولاية جديدة لها، خاصة أن الصفقة التي تدعمها أمريكا قامت بفكرة دولة عربية محددة".
ولفت إلى أن التحدي المالي الذي يواجه (أونروا) يتعلق بجمع المال، لا تحدٍّ بالقرار المالي.
وشدد علي على عدم جواز وقف الدعم للوكالة بدعوى وجود تحقيقات داخلية في اتهامات فساد، عادًّا وقف دول عدة الدعم عن الوكالة جريمة أخرى، وتمم: "إن التحقيق في قضايا الفساد لو كان عادلًا لتوقفت كل الدول الأوروبية عن دعمها للوكالة".