كرات مبعثرة في المشهد الفلسطيني لا يمكن تصور التئامها لتشكل نسقا منتظما؛ جميعها ملتهبة لاشك، واقترابها من بعضها كان أكثره للصدام، في جو تسوده الفوضى السياسية والميدانية، وكان هذا أكثر ما يعجب (إسرائيل) التي كان لها دور فاعل في التحريش بينهم، وإدخال الأوبئة للمزاج العام كي يبقى ناقما على هذه المكونات، يشاهد صراعها في المواقف والمصالح، ويفقد الثقة بها وهي غير قادرة على تحديد رؤية وطنية موحدة، يتراكم فيها الفعل، وتتراص خلالها المواقف، ليتمثل في هرم وطني وفق هندسة سياسية وميدانية شديدة الصلابة.
لكن هل بقي الوضع على حاله؟! وما الذي تغير في المشهد الفلسطيني؟! صحيح أن الانقسام ما زال باقيا إلى يومنا هذا, لكن حدثت هناك اختراقات وطنية تمت على مراحل كانت نتاج اتصالات ولقاءات ونقاشات ثنائية وجامعة في داخل وخارج فلسطين أثمرت توافقات مهما على طريق معالجة كثير من الاشكاليات وصولا الى تحقيق الوحدة الوطنية.
أصبحنا نشاهد قيادات القوى من حماس والجهاد والشعبية والديمقراطية وفدا والمبادرة وحزب الشعب وحتى قيادة التيار الإصلاحي يلتقون في جوانب كثيرة، لا اقول تقاربت البرامج والتوجهات السياسية لكن إلى حد ما حدثت هناك توافقات وطنية أفضت إلى مراجعات حقيقية لصالح القضايا الوطنية.
ولم نعد نشاهد جو التراشق الإعلامي ولغة (التنغيص) التي كان يشاهدها الفلسطيني وهو يتحسر على وطن تتهدده المخاطر، وينظر إلى أبنائه وهم يتصارعون، وفى النهاية يبيت الاحتلال راضيا عما وصلت إليه حالنا، هذه المقاربات أو من ناحية أدق (التوافقات الوطنية) هي ضرورة عاجلة لوحدة المشهد والصف.
وماذا عن باقي القوى؟! هل تقاربت في الموقف وخصوصا ما يتعلق بالعمل المسلح؟!
لا ينكر عاقل أن من ثمار هذا العمل الوطني المتواصل أن العمل المسلح أصبح متمترسا خلف إستراتيجية وطنية ويسير على سكة قطار، والطلقة لا تخرج إلا بقرار جامع يسبقه دراسة واستعداد وفق ضرورة الحاجة وأولوية الاهداف، لا اقول اهدافا ميدانية فقط إنما أيضا أهداف تتعلق بالرؤية السياسية والوطنية.
قد يحاول البعض كردات فعل المناوشة قليلا بعيدا عن هذا الجو، لكنه سرعان ما يحترم خيارات شعبنا ويعود في غمد هذا السيف إحساسا بالمسؤولية وإذعانا لقيادته، ومثل ما قال الختيرية زمان (ما إلنا بركة إلا بعض) ليس مجرد مثل بل منهج يفرض علينا جميعا أن نبقي أيدينا متماسكة وقلوبنا تدق على وتيرة واحدة.
فكان من ثمار حالة التوافق التي دشنها قائد حماس في غزة يحيى السنوار مع الفصائل وباقي المكونات الوطنية أن أفضت أيضا إلى إطلاق الانتفاضة الشعبية السلمية في قطاع غزة للاشتباك مع الاحتلال ومشاغلته بمسيرات العودة وكسر الحصار وتشكيل جسم مركزي فلسطيني يقود دفة العمل المسلح ممثلا بغرفة العمليات المشتركة.
امتد الأمر إلى توافق سياسي في مواجهة أخطر المؤامرات الدولية (صفقة القرن) التي حاولت فرض رؤية إسرائيلية أمريكية لإنهاء وتصفية القضية، فأفضت المواقف الجامعة إلى تنفيذ الخطة الوطنية لمواجهة صفقة القرن.
اليوم تتعاظم هذه الجهود في النزول إلى الشارع والجلوس مع مكونات المجتمع من شباب، ومخاتير، وطلبة، ونقابات، وغيرهم في لقاءات وزيارات مكوكية، تهدف إلى إكمال دور البناء وترميم الجروح وتهيئة حواضن المجتمع لمواصلة دعم التوجهات السياسية الرامية إلى الوحدة والسير في طريق مقارعة الاحتلال.
في الساعات الأخيرة يتصدر المشهد التوافق على عناوين كبيرة ومنها (الانتخابات) فتواترت التصريحات جاهزين ومستعدين وذاهبين للانتخابات، فأعادت الأمل لشعبنا وأحيت الروح في الجيل للبدء في مرحلة جديدة من بناء الوطن وتجديد شرعياته.
هذه هي كلمة السر ( التوافق) مفتاح التشغيل لمركبة خربة ومعطلة أعيدت لها صيانتها وأصبحت تنطلق مسرعة وتقترب شيئا فشيئا من بوابة الوحدة الوطنية، لا أقول ذلك من نافلة القول لكنها حقيقة أصبحت متجسدة في العهد الثوري الجديد الذي يتقدمه يحيى السنوار.