أبو رحمة: الاستيطان يبتلع الضفة تحت وطأة "الأوامر العسكرية"
عيسى: أراضي الـ67 ما زالت خاضعة للاحتلال حسب القانون الدولي
محللان: الموقف العربي الضعيف ساهم بتأجُّج الاستيطان بالضفة
أخطرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أمس، بمصادرة قرابة (2280) دونمًا من أراضي الفلسطينيين في بيت لحم والخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، ووسط رام الله، في حين عدّ خبراء ومحللون أن عدم وجود أي معارضة عربية لسياسات الاحتلال بالضفة فضلاً عن الغطاء الأمريكي الذي توفره إدارة دونالد ترامب لـ(إسرائيل)، ساهما في توسيع البناء الاستيطاني، وإعداد مشاريع قوانين إسرائيلية لضم أراضٍ فلسطينية للكيان.
وأفادت مصادر محلية، بأن سلطات الاحتلال أخطرت بالاستيلاء على نحو (150) دونمًا في الجهة الجنوبية المحاذية لجدار الفصل العنصري من أراضي بيت لقيا غربي رام الله، لدواعٍ أمنية.
وأشارت بلدية بيت لقيا، في بيان لها، إلى أن سلطات الاحتلال سلمها قرارًا عسكريًا يقضي بالاستيلاء على نحو (150) دونمًا من أراضي المواطنين في الجهة الجنوبية من البلدة لدواعٍ أمنية حسب ما جاء في القرار.
وفي بيت لحم، أصدرت سلطات الاحتلال قرارًا يقضي بالاستيلاء على (2000) دونم من أراضي قرية الجبعة جنوب غربي المدينة.
وصرّح رئيس المجلس القروي للجبعة ذياب مشاعلة، بأن المواطنين عثروا صباح أمس على اخطارات وضعت داخل أراضيهم أثناء توجههم لقطف ثمار الزيتون، تتضمن الاستيلاء على أراضٍ مزروعة بأشجار الزيتون المثمر والمعمر.
وبيّن مشاعلة، أن الأراضي المصادرة تبلغ مساحتها قرابة (2000) دونم في مناطق "الخور"، و"وادي الخنزير"، والحيلة، بمحاذاة جدار الفصل من الجهة الغربية وصولًا الى مستوطنة "بيت عاين" شرقًا.
وفي الخليل، كشف مصادر فلسطينية النقاب عن أن سلطات الاحتلال صادرت (129) دونمًا من أراضي بلدتي الظاهرية والسموع جنوبي المدينة، لبناء جدار الفصل العنصري.
وأوضحت أن ما يسمى "قائد قوات جيش الاحتلال"، أصدر أمرًا عسكريًا بمصادرة (129.3) دونمًا من أراضي الظاهرية والسموع ووضع اليد عليها بـ "حجة أمنية".
وتقع هذه الأراضي ضمن حدود بلدة الظاهرية في الحوض رقم (4) في موقع واد الخليل، وضمن حدود السموع في الحوض رقم (6) في موقع الشيخ عتين خربة عتين.
ويُذكر أن سلطات الاحتلال صعدت مؤخرًا، من استهدافها لأراضي الفلسطينيين، عبر مصادرة آلاف الدونمات في كافة انحاء الضفة الغربية، بحجة شق طرق وبناء جدار الفصل وتوسيع المستوطنات.
وكانت وسائل إعلام عبرية كشفت النقاب أمس، عن أن سلطات الاحتلال شرعت في شق طريق استيطاني جديد في منطقة الخليل جنوب الضفة الغربية بهف ربط المستوطنات في جنوب الضفة الغربية مع بعضها وتسهيل تنقل المستوطنين في المنطقة.
وكشفت وسائل إعلام عبرية النقاب عن أن عدداً من أعضاء الكنيست الإسرائيلي من أحزاب ائتلاف اليمين، تقدموا بمشاريع قوانين تهدف إلى ضم مناطق واسعة في الضفة وفرض ما يسمى بـ"السيادة" عليها.
ومن جهة أخرى، قالت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية الصادرة أمس، إن رئيسة حزب "اليمين الجديد" إيليت شاكيد، قدمت أول من أمس، مشروع قانون يقضي بفرض القانون والنفوذ والإدارة الإسرائيلية على مناطق غور الأردن والكتلة الاستيطانية "غوش عتصيون" جنوبي مدينة بيت لحم، ومستوطنة "معاليه أدوميم" شرقي القدس المحتلة.
وبحسب الصحيفة، فإن مشروع القانون يشمل فرض "سيادة" الاحتلال على مستوطنات "معاليه أدوميم" و"غوش عتصيون" و"أفرات" و"بيتار عيليت" التي تشمل مناطق صناعية ومواقع أثرية وطرقات، وعلى كل مستوطنات غور الأردن.
ودعت إلى استغلال تلك الفرص والبدء بعملية فرض "السيادة" على هذه المناطق "لمنع جر (إسرائيل) إلى انتخابات أخرى"، في إشارة إلى المأزق السياسي الذي يتوقع أن يقود (تل أبيب) إلى انتخابات ثالثة.
خلق واقع جديد
في الإطار ذاته، أفاد مسؤول فلسطيني بأن سلطات الاحتلال أصدرت في الأيام الثلاثة الأخيرة، 16 قرارا بمصادرة أراضٍ فلسطينية، لصالح المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.
وذكر رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وليد عسّاف، أن الأيام الثلاثة الماضية شهدت إصدار نحو 16 قرارا إسرائيليا "بوضع اليد على أراض فلسطينية، "في محاولة إسرائيلية لخلق واقع جديد في الضفة الغربية".
وأشار عساف في تصريح لوكالة "الأناضول"، إلى أن القرارات من شأنها مصادرة مئات الدونمات (الدونم ألف متر مربع).
وأوضح أن جزءا من القرارات "يستهدف شق طرق التفافية لربط المستوطنات الإسرائيلية بعضها ببعض، وربطها بمدينة القدس والداخل المحتل (إسرائيل)".
ولفت رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، إلى أن سلطات الاحتلال أصدرت قرارات بمصادر أراض خاصة، باعتبارها أراض دولة، بهدف توسيع البنية التحية للاستيطان، موضحًا أن القرارات تشمل جميع محافظات الضفة الغربية.
وقال عساف:" في المجمل، تهدف القرارات لخدمة المشروع الاستيطاني، وإبقاء السيطرة الكاملة على الأرض الفلسطينية، ومواردها الطبيعية، وإبقاء الفلسطيني على الهامش".
وكانت منظمة "السلام الآن"، المعنية بمراقبة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قد ذكرت في تقرير لها نهاية أكتوبر/تشرين أول الماضي أن سلطات الاحتلال، صعّدت الاستيطان منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قبل ثلاث سنوات,
وبينت أن الاحتلال صادق على ما معدله (6989) وحدة سنويَّا، أي ما يقرب من ضعف متوسط الوحدات السكنية في السنوات الثلاث التي سبقتها والتي كانت (3635) وحدة سكنية.
ويقيم المستوطنون في (127) مستوطنة، و(116) بؤرة استيطانية عشوائية (غير مرخصة) في الضفة الغربية و(15) مستوطنة مقامة على أراضي شرقي مدينة القدس المحتلة.
وأكد الخبير في شؤون الاستيطان عبد الله أبو رحمة، أن الاستيطان يبتلع أراضي الضفة الغربية المحتلة تحت وطأة "الأوامر العسكرية".
وقال أبو رحمة لصحيفة "فلسطين" أمس: "سياسة الاحتلال الإسرائيلي في سلب ومصادرة الأراضي الفلسطينية ليست بالجديدة بل ممتدة منذ احتلال أراضي فلسطين التاريخية على يد العصابات الصهيونية عام 1948م، وكان آخرها ما أعلنت عنه بالاستيلاء على 2522 دونمًا".
وأضاف: "مصادرة الأراضي الفلسطينية هو نتاج حكومة يمينية متطرفة مدعومة بشكل علني من الإدارة الأميركية، وتسعى إلى سلب وابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية لصالح التوسع الاستيطاني".
وعدّ إعلان سلطات الاحتلال مصادرة والاستيلاء أراضٍ جديدة "بمثابة تجديد سريان وضع اليد على الأراضي وفقًا لأوامر عسكرية كانت قد صدرت في السنوات الماضية، ولحظة انتهاء التاريخ الزمني لها، يتم تجديدها مع وجود بعض التعديلات".
وبين أبو رحمة أن سلطات الاحتلال أصدرت خلال الأسبوع الماضي (16) أمرًا عسكريًّا يقضي بتجديد سريان وضع اليد، طالت آلاف الدونمات لصالح ما يعرف "المسار الأمني" لجدار الفصل العنصري، ومناطق نفوذ مستوطنات واستخدامات أخرى، وهي بالمجمل تقع ضمن المناطق المصنفة (ج).
وذكر أن حكومة الاحتلال تحاول في ساعاتها الأخيرة تطبيق سياسة التوسع الاستيطاني وسلب المزيد من الأراضي الفلسطينية، وشق بعض الشوارع والطرق الالتفافية بين المستوطنات.
ولوقف تغول الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، دعا أبو رحمة لحراك شعبي في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة لمواجهة سياسة سلب الأراضي الفلسطينية، قبل إطباق سلطات الاحتلال سيطرتها كاملة على الضفة الغربية.
أراضٍ محتلة
من ناحيته، أكد الأستاذ والخبير في القانون الدولي د. حنا عيسى، أن أراضي 1967، المتمثلة بالضفة الغربية بما فيها شرقي القدس، وقطاع غزة، ما زالت حسب القانون الدولي "خاضعة للاحتلال"، وأن الالتزام القانوني الأساسي لـ(إسرائيل) كقوة محتلة للأراضي الفلسطينية، يتمثل بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة تطبيقا فعليا حتى زوال الاحتلال بشكل نهائي عن هذه الأراضي.
ونبه عيسى في بيان له أمس، إلى أن هذا ما أكده الإعلان الصادر عن مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة الذي عقد في جنيف في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2001، حيث إنه وفق الإعلان فإن الدول المتعاقدة تعبر عن عميق قلقها من تدهور الوضع الإنساني للمدنيين وخاصة الأطفال في الأرضي الفلسطينية المحتلة.
وأوضح أن الإعلان دعا أيضاً لإيجاد مراقبين دوليين محايدين في الأراضي الفلسطينية المحتلة للتأكد من تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، معتبرا عدم توفر الحماية الدولية للسكان المدنيين، من أهم أسباب انتهاك حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة.
وبين أن (إسرائيل) كقوة احتلال لم تقم بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب لعام 1949.
وضع إقليمي مريح
وفي السياق، قال المختص في الشؤون الإسرائيلية د. حاتم أبو زايدة، إن الاستيطان نهج أساس لدى الاحتلال على اختلاف الحكومة الموجودة، حيث وبخطوات مدروسة يتم التهام المزيد من الأراضي واستقدام المزيد من المستوطنين الذين أُعلن عن ازدياد تعدادهم إلى أكثر من 480 ألفا.
ورغم أن الاستيطان نهج أساس لدى الاحتلال، ووقوف المؤسسة الإسرائيلية بكل قوتها لدعمه، إلا أن هناك عجلة دافعة وداعمة لتسريع هذه العجلة، وفقاً لأبو زايدة، تتعلق بعوامل داخلية لدى الاحتلال وأخرى خارجية.
ونبه لصحيفة "فلسطين" إلى وجود اعتقاد لدى حكومة الاحتلال الحالية بأن رئيس الإدارة الأمريكية دونالد ترامب، من الممكن أن لا يعاد انتخابه مرة أخرى، وأنه لا بد من تحقيق المزيد من المكاسب والتنازلات، على اعتبار أن أي إدارة قادمة لن تكون كما إدارة ترامب.
وإلى جانب كون إدارة ترامب عاملا قويا في محاولات فرض "السيادة" على المستوطنات، وكذلك غور الأردن، رأى أبو زايدة أن هناك عوامل أخرى ذات صلة تتعلق بوجود حمى الانتخابات، ومحاولة بقاء اليمين المتطرف الإسرائيلي على سدة الحكم.
كما أن الوضع الإقليمي، وفقا للمحلل ذاته، بالنسبة لـ(إسرائيل) "مريح"، حيث إن الإعلان عن ضم أي منطقة فلسطينية وإعلان "السيادة" عليها لن يجد وجها عربيا معارضا، في ظل ذهاب كُثُر من الأنظمة العربية تجاه الهرولة نحو الاحتلال والتطبيع معه وتقديم الهدايا المجانية له.
ووافق المحلل السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي فرحان علقم، سابقه، إذ أكد أن الإدارة الأمريكية الحالية الأكثر خدمة للاحتلال من بين سابقاتها.
وأشار علقم لـ"فلسطين" إلى أن الاحتلال يضمن دون شك، أن الإدارة الأمريكية ستقف إلى جانبه بل وتدعمه في حال أعلن رسميا "سيادته" على غور الأردن، وعلى المستوطنات المنتشرة في مدن الضفة الغربية والقدس المحتلتين.
ورغم وقوف ودعم الإدارات الأمريكية المطلق لسلطات الاحتلال، إلا أن هناك بعض الخطوط كانت ملتزمة بها، في إطار ما يعرف بـ"عملية التسوية"، وقد تجاوزتها إدارة ترامب، متوقعاً ألا تجد حكومة الاحتلال سوى الدعم والتأييد.
وفي الإطار أكد الاتحاد الأوروبي أن موقفه من الاستيطان الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة لم يتغير، وعد جميع أنشطته "غير قانونية".
وقال الاتحاد الأوروبي في بيان أمس: "وافقت السلطات الإسرائيلية على بناء أكثر من ألفي وحدة سكنية في مستوطنات غير قانونية بالضفة الغربية المحتلة".
وأضاف البيان: "موقف الاتحاد الأوروبي من سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة واضح ويظل دون تغيير، كل النشاط الاستيطاني غير قانوني بموجب القانون الدولي ويقوض قابلية حل الدولتين للحياة واحتمالات السلام الدائم، كما تم تأكيده من خلال قرار مجلس الأمن 2334".