فلسطين أون لاين

مسيرة العودة.. تجدّد البيعة

عندما ذهبت الجماهير للمشاركة في مسيرة العودة وهي تدرك أن ما تسعى إليه سيتحقّق عاجلًا أو آجلًا، ووجدنا بالمقابل سجالا سياسياً كبيراً بين قادة العدو واتهامات متبادلة بينهم حول عجزهم عن التعامل مع غزة وإرادتها السياسية القادرة على التحدّي والإنجاز، رغم كلّ الوسائل التي استخدمتها قوات الاحتلال من قنص وقصف ونسف، فقد أثبتت مسيرة العودة في جمعتها الـ81 قوتها وجددت بيعتها لأصحاب العودة اللاجئين الفلسطينيين بأنها حققت ما لم يحققه العرب على مدار عقود طويلة، فقد قدمت صورة لفعل نضالي فلسطيني موحد يتجاوز الأخطاء ويحافظ على الزخم الشعبي، حيث تعدّت المشاركة الشعبية كلّ التوقعات وارتفعت الهمم الشابة التي تحثّ بعضها على المشاركة في المسيرة، ووجدنا حضوراً منسجِماً مع دقة المرحلة وظروف التفاوض التي تسير في الخلفية بين القوى السياسية ودولة الاحتلال عبر الأطراف الدولية والإقليمية، وهذا له مدلولاته الكبيرة من ارتفاع الوعي الجماهيري بين أبناء شعبنا في تعاملهم مع تفاصيل القضية الوطنية بعيداً عن كل الأصوات النشاز التي تحبط الهمم وتشارك في الدور الإسرائيلي المحارب لمسيرة العودة.

بل عكست المشاركة الجماهيرية رفضاً لتهديدات الاحتلال، والتي ادعى فيها نيته مهاجمة المسيرة بشكل أعنف وبقوة تسليحية أكبر، وكأنّ ما جرى منذ انطلاقها في الثلاثين من مارس العام الماضي كان تعاملاً ليناً مع سلمية المتظاهرين. لكن هذه التهديدات لم ترق لأبناء غزة ورفضوها وانسجمت قراراتهم مع القرار السياسي لقوى المقاومة التي طمأنتهم أنها لن تسمح بأن يستفرد الاحتلال بسلميتهم وأن يوغل بدمائهم.

إنّ أهم ما حققته مسيرة العودة هو الطابع السلمي، وعلى تمسكها بأدواتها السلمية في مواجهة الترسانة العسكرية للاحتلال، ولم يجد الاحتلال مفرّاً من الإقرار بسلمية المشاركين، حتى أن بعض التقديرات لدى مراكز القرار في دولة الاحتلال وصفت المشهد على حدود غزة بأنه “هادئ”!

الساعات الحرجة التي سبقت جمعة إسقاط "وعد بلفور"، جعلت المواطن الفلسطيني في غزة عرضة لتهديدات مباشرة، سواء بالحرب أو حتى بالقتل المباشر في ميدان المشاركة بالمسيرة، غير أنّ جماهير غزة وكعادتها فاجأت المتآمر وأنصفت نفسها وأعلنت تمسكها بخيارها الشعبي الساعي لتحقيق كسر الحصار.

إنّ قضية كسر الحصار، وإن حاول البعض الترويج لها على أساس أنها عملية لمدخل إنساني للتعامل مع القطاع بدلاً من كونها قضية سياسية، فإنها في حقيقتها نقطة انطلاق لحالة سياسية فلسطينية جديدة ترفض رهن الموقف السياسي بالمساعدات والتنازل في المنطلقات والمبادئ لصالح توفير متطلبات العيش والحياة، لذلك فإن عملية كسر الحصار المفروض على القطاع إسرائيليا يجعلنا ندرك أن تفاصيل هذا الحصار وآلياته من يقررها دولة الاحتلال وهي تدرك أن الغضب الشعبي الفلسطيني سلاح المفاجأة الذي يمكن أن يخرج عن سياق توقعات دوائر الاحتلال الأمنية ويقلب الطاولة على جميع المحاصرين.

وبالتالي فإن وجود الحصار من عدمه مرتبط أولاً بصاحب القرار في هذه العملية وثانياً بحجم الغضب الشعبي المتولد لدى المحاصرين، وهنا بدأت دولة الاحتلال وعبر فعاليات وأدوات مسيرة العودة تدرك أن هذا الغضب الشعبي قد يكسر كل معادلات الردع التي تضبط إيقاع عمل جيش الاحتلال، لذلك فإن التّهديدات الإسرائيلية المباشرة لأهل غزة ومحاولاتها لجر المنطقة إلى حالة حرب تهدف للتخلص من هذه المسيرة، لكن هيهات.

==========================