ما أعلنه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بعد لقائه برئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر عن جهوزية حركته للدخول في انتخابات شاملة, بمثابة الموقف المبدئي لحماس, وهذا ما أكدته في أكثر من مناسبة, ولعلنا نتذكر تصريح حماس المرحب بالانتخابات, عقب إعلان رئيس السلطة محمود عباس عزمه الدعوة لإجراء انتخابات تشريعية خلال خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 26-9-2019, ولعل الدعوة لإجراء الانتخابات من حيث المبدأ لا تلقى اعتراضا من أحد, ولكن الخلاف يبدو واضحاً حول كيفية إجراء الانتخابات, وهل هي انتخابات تشريعية؟ أم هل هي انتخابات "تشريعية ورئاسية ومجلس وطني", هل هناك ضمانة لإجراء الانتخابات في أجواء تضمن نزاهة الانتخابات وشفافيتها؟ وهل من الممكن تنظيم الانتخابات تحت حراب الاحتلال في الضفة والقدس المحتلة؟ فالاحتلال حاضر وبقوة في العملية الانتخابية الفلسطينية وسيعمل على تعطيلها إذا كانت ستصب في غير صالحه.
والسؤال الأكثر إلحاحاً هل يمكن القبول بنتائج الصندوق الانتخابي؟ وهي أسئلة مشروعة بعد التجربة السيئة في التعاطي مع نتائج انتخابات 2006, والتي أفضت إلى تصادم ما بين مؤسسة الرئاسة وخلفها مؤسسات وأجهزة السلطة التنفيذية وما بين المجلس التشريعي وحكومة فاقدة لكل أدوات الحكم,وأنتجت حالة الانقسام البغيض الذي يحياها شعبنا الفلسطيني في الضفة المحتلة وقطاع غزة المحاصر.
ولعل السؤال الأهم الذي يجب أن يطرح وطنياً, هل ما تحتاجه القضية الفلسطينية في ظل هذا التآمر والعدوان على ثوابت قضيتنا, واستمرار حالة الانقسام السياسي وإفرازاته المقيتة وآثاره الكارثية, هو الخروج إلى انتخابات سواء كانت تشريعية أو شاملة؟ كما قلنا لا أحد يستطيع أن يعترض على الانتخابات كطريقة للاختيار المباشر ووسيلة لتداول السلطة, المطلوب هو دراسة الحالة الفلسطينية المشتتة والمعقدة في تعدد البرامج السياسية وتنافرها, ما بين برنامج سياسي يعترف بـ(إسرائيل) وبرنامج مقاوم يرفض ذلك وبشدة, ولا نغفل في هذا السياق التزامات السلطة بالاتفاقيات الأمنية مع الاحتلال واستمرار تنسيقها الأمني المرفوض وطنيا, وارتباطها اقتصادياً بالاحتلال والذي يشكل عائقا أمام نهوض الاقتصاد الوطني, هذا المشهد المختصر بمثابة صواعق تفجير لأي نتائج يفرزها الصندوق الانتخابي وتشكل تعارضا مع منهجية السلطة ومسلكها السياسي, وفي هذا السياق نفهم لماذا يتمسك رئيس السلطة بإجراء الانتخابات التشريعية أولاً! بحيث يمكن التصدي لأي نتائج مناوئة على طريقالجدال السياسي والقانوني المفتعل في التجربة السابقة, وسيعيد التاريخ في هذه الحالة نفسه مرة ثانية.
في اعتقادي الطريق الآمن للخروج من الانقسام السياسي، وإعادة توحيد الصف الوطني, هو عبر تطبيق اتفاقيتي 2005 و 2011 , وهذا ما نصت عليه مبادرة الفصائل الثمانية, بإعادة ترتيب منظمة التحرير على اعتبار أنها البيت الفلسطيني الجامع, وإقرار برنامج وطني يحظى بحالة من الإجماع الفلسطيني,وإعلاء حالة التوافقية والشراكة تحت شعار "معركة الخلاص من الاحتلال", مع تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الكل الفلسطيني يكون هدفها الإستراتيجي دعم صمود شعبنا في الداخل المحتل ومواجهة الاحتلال في المحافل الدولية, وترسيخ حالة الوحدة الكفاحية بين أبناء الشعب الفلسطيني, ونبذ كل ظواهر الفرقة والانقسام, ولا يضر أن يكون زمن هذا المسار الوطني عامين وبعد ذلك يمكن أن تنظم الانتخابات الشاملة لكافة مؤسسات الشعب الفلسطيني.