أثارت دعوة رئيس السلطة محمود عباس لعقد انتخابات تشريعية جدلًا واسعًا في الشارع الفلسطيني، مع حل الرئيس المجلس التشريعي، الذى تبعه حل مجلس القضاء الأعلى، وتعطيل كثير من القوانين، وإصدار قرارات بقانون تناسب توجهات رئاسة السلطة التي أضحت مسيطرة على مقاليد ومفاصل السلطات الثلاث.
فما الدافع وراء إجراء هذه الانتخابات؟، وهل هناك نية لدى الرئيس لتجديد الشرعيات ومعالجة الأوضاع السياسية والقانونية والوطنية المتدهورة التي أضرت بالمصالح الفلسطينية مع التحديات القائمة؟!
أم أن هناك أهداف أخرى في الأجندة لم يفصح عنها؟!، حتى لو أجريت ما الضمانات لإجرائها وضمان نتائجها؟، والتساؤلات تطول عن طريقة وشكل الانتخابات والأماكن التي يمكن أن تجرى فيها.
لاشك أن رئيس السلطة يعيش في أزمات عدة على صعد عدة، ومنها انهيار المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود، وتنكر (إسرائيل) لأي التزامات وتحللها من اتفاقيات سابقة، وتراجع الغطاء والدعم الأمريكي، وبقاء مساحة التعاون في الشق الأمني لضمان بقاء وجود السلطة.
إلى جانب تراجع الدعم السياسي والمالي العربي مع التغيرات الحاصلة في المنطقة وانشغال الدول بأزماتها الداخلية، وظهور صراعات وتوترات جديدة أخذت الأضواء عما يحدث في الأراضي الفلسطينية بنسب معينة.
إضافة إلى تآكل تأثيره في الساحة الفلسطينية، وتراجع نفوذه داخل حركة فتح، وظهور بذور الخلاف، وترقب خلافته بعد وصوله إلى سن متقدمة، إلى جانب حالة السخط العام عليه في قطاع غزة نتيجة العقوبات وقطع المرتبات وارتفاع نسب الخصم، وشعور موظفي المحافظات الجنوبية بالتمييز على أساس جغرافي.
فهذه الدعوة محاولة لإنعاش وجوده، وتجديد شرعيته، وإظهار قدرته على التأثير، وجذب الأضواء ولفت الأنظار العربية والدولية، وقطع الطريق على مبادرات وطنية تشكل ضغوطًا عليه في الساحة الفلسطينية، ومنها مبادرة (الفصائل الثمانية).
ولكن قد يقول قائل: لماذا لا نجري هذه الانتخابات ونعد دعوة الرئيس فرصة نحو تصحيح الوضع القائم؟، نعم يمكن أن تكون فرصة وعلينا التقاطها على الرغم من كل الأسباب والظروف السابقة الذكر، مع مراعاة كل متطلبات واستحقاقات هذه المرحلة وشروطها وضماناتها، في جو يسوده الوفاق الوطني، الذي يضع لنا خريطة طريق لتفادي التجاذبات والخلافات القائمة، ومنع أي آثار كارثية يمكن أن تترتب على إجراء انتخابات في جزء من الوطن دون بقيته، وعلى سلطة (تشريعية) دون (الرئاسية) ودون (المجلس الوطني)، وغيرها من التفاصيل المتعلقة بشكل ونظام الانتخابات وما هو نسبي وما هو بنظام الدوائر، إضافة إلى الرقابة ومحكمة الانتخابات ومرجعيتها هل في غزة أم الضفة، وضمانات نزاهة العملية الانتخابية ومنع أي إمكانية لتزويرها أو التأثير على المرشحين والناخبين، وإبعاد القوى الأمنية عن ممارسة أي دور لمصلحة جهات داخل السلطة، وقد حدث سابقًا مضايقات وملاحقات للتأثير في استحقاقات سابقة، ومنها (الانتخابات البلدية)، وكيف صودر حق المرشحين والناخبين واعتدي عليهم.
إضافة إلى ضمانات إجرائها في غزة والضفة والقدس، مع ضرورة أن تكون متزامنة وأن تجرى جملة واحدة، ولكن للخروج من جدل التزامن أو التوالي، يمكن لرئيس السلطة أن يحدد جدولًا زمنيًّا لإجراء هذه الانتخابات (الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني) بحيث يكون شهر بين كل مرحلة، وبذلك نكون أمام موقف معلن وصريح يزيل الغموض وينهي حالة الارتباك ويطمئن القوى السياسية والجمهور الفلسطيني، إضافة إلى التعهد باحترام النتائج ووجود ضمانات للاعتراف بها وبشرعيتها، وقد شهدنا كيف تعامل رئيس السلطة مع المجلس التشريعي من التغول والتهميش إلى اتخاذ قرار غير مشروع بحله أخيرًا.
وبين ثنايا التفاصيل تفاصيل أخرى متعلقة بالقوانين سأفردها في مقال لاحق، لعل هذه الكلمات تصل إلى السيد حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات الذي يزور هذه الأيام قطاع غزة، ويطلع على تفاصيل وشروحات مستفيضة من الفصائل الفلسطينية والجهات المعنية، ليطلع على رأي فلسطيني مستقل يعكس نبض الشارع وما يريده الشباب، مع انعدام الأمل في التغيير والشعور بالإحباط من حالة الانقسام وآثارها على حياتهم ومستقبلهم.
إن مراعاة هذه المعايير والضمانات كفيلة بإنهاء الأزمات الفلسطينية المتفاقمة، وفرصة لإعادة بناء نظام سياسي قوي وفعال على قاعدة احترام رغبات الشعب وحماية مصالحه وصون حقوقه.