يؤكد الخبير في الشؤون الأمنية والإستراتيجية د. هشام المغاري أن المقاومة الفلسطينية خاضت صراع أدمغة شديد الحساسية على مدار خمس سنوات مع الاحتلال، في تعاطيها مع ملف الجندي في جيش الاحتلال جلعاد "شاليط"، بالنجاح في احتجازه، أو لحظة المفاوضات ونتائجها التي حققت فيها أهدافًا وإنجازات عدة.
ويضيف المغاري في حديث إلى صحيفة "فلسطين": "إن صفقة وفاء الأحرار حققت مجموعة من الأهداف، بعد أن تمكنت المقاومة من تحرير نحو 1050 أسيرًا وأسيرة من سجون الاحتلال، 50% منهم ذوو أحكام عالية كانت فرصة الإفراج عنهم ضعيفة، لو لم تكن هناك صفقة".
ويوضح أن تمكن المقاومة من تحرير عدد كبير من الأسرى بالصفقة هو مكسب كبير تحققه، والنقطة الأخرى تتعلق بإصرار المقاومة على الإفراج عن ذلك العدد مقابل شاليط.
الهدف الثاني الذي استطاعت المقاومة تحقيقه -وفق حديث المغاري- أن الصفقة تمثل رسالة للمقاومين، أن يمارسوا حقهم في مقاومة الاحتلال وهم يدركون أن هناك من سيسعى جاهدًا إلى الإفراج عنهم في حال وقوعهم في الأسر.
ويلفت إلى أن الصفقة حررت مجموعة كبيرة من الأسرى الذين هم قادة للحركات الوطنية والفصائل الفلسطينية، وأسهموا كثيرًا في تعزيز وتقوية وتدعيم الحالة الفلسطينية، منهم رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة يحيى السنوار.
وكانت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، أسرت في حزيران (يونيو) 2006م الجندي في جيش الاحتلال جلعاد شاليط، واحتجزته على مدار أكثر من خمسة أعوام، وأفرجت عنه بموجب صفقة وفاء الأحرار لتبادل الأسرى بالإفراج عن 1050 أسيرًا من سجون الاحتلال في تشرين الأول (أكتوبر) وكانون الأول (ديسمبر) 2011م.
في السياق، يشير المغاري إلى أن المقاومة استطاعت إبعاد أنظار الاحتلال الإلكترونية وتقنياته وكذلك العملاء عن الوصول إلى مكان الجندي طيلة مدة أسره، رغم أن المقاومة احتجزته بمنطقة ضيقة في ظروف صعبة على الشعب الفلسطيني ومقاومته.
ووفق قوله، إن ما سبق انتصار حققته المقاومة على الاحتلال الذي لم يتمكن من جمع أي معلومة لها علاقة بشاليط، وهذا ما أثبتته المعطيات اللاحقة بعد الإفراج عن شاليط ونشر المقاومة صورًا له وهو يتحرك بمناطق مفتوحة، وهذا دليل كفاءة استخبارية عالية.
تمسك بالمبادئ
وتمسكت المقاومة في ملف شاليط بمواقفها بقوة، واستطاعت الإفراج عن العدد المطلوب، وتحديد نوعية المفرج عنهم، ولم تتنازل عن المبادئ الأساسية، وهذا "نجاح تفاوضي"؛ برأي المغاري.
ويفسر سبب رضوخ الاحتلال لشروط المقاومة بأن التجربة التاريخية الفلسطينية مع الاحتلال أثبتت أنه يرضخ لأصحاب الإصرار، مؤكدًا أن المقاومة كان لديها إرادة صلبة، وهذا ما أدركه الاحتلال أن المقاومة لا يمكن أن تتنازل؛ فتنازل هو.
وعن صفقة التبادل المأمولة يقول المختص الأمني: "إن الزمن في مصلحة المقاومة، وهناك صراع كبير يجري بين المقاومة والاحتلال، لكون الأخير يحاول عدم تكرار تجربة شاليط، بإعطاء ثمن كبير للمقاومة التي تصر على موقفها".
وفي 20 تموز (يوليو) 2014م أعلنت "القسام" أسرها الجندي في جيش الاحتلال شاؤول آرون، في أثناء تصديها للعدوان البري الإسرائيلي شرق مدينة غزة.
وظهر المتحدث باسم "القسام" أبو عبيدة، في بيان متلفز مقتضب عبر قناة الأقصى الفضائية، في 2016م، وبدت صور أربعة من جنود الاحتلال في مقطع الفيديو، هم: "آرون"، وهدار غولدن، وأبراهام منغستو، وهاشم السيد.
وقال أبو عبيدة آنذاك: "أي معلومات عن مصير هؤلاء الجنود الأربعة لن يحصل عليها العدو مجانًا"، مضيفًا: "إن (رئيس حكومة الاحتلال بنيامين) نتنياهو يكذب على شعبه، ويضلل جمهوره وأهالي وذوي جنوده الأسرى".
وتشترط "القسام" بدء أي مفاوضات مع الاحتلال بإفراجه عن العشرات من محرري صفقة وفاء الأحرار، الذين أعاد أسرهم.
ويضيف المغاري: "إن المقاومة تتعامل مع ملف الجنود الأسرى لديها بمهارة عالية وإرادة صلبة، فهي تعرف ما لديها من أسرار ومعلومات بدقة عالية، في حين يعيش الاحتلال في حالة غموض ولا يعرف ما لدى المقاومة".
ويتابع: "من يمتلك الوضوح لا يكون قلقًا، أما الذي يحيط به الغموض فيقلق من تقدم الزمن"، مؤكدًا أن الشعب الفلسطيني داعم للمقاومة.
ويقول المغاري: "إن حالة الغموض تجعل الاحتلال غير مدرك حقيقة المعلومات عن حالة جنوده الأسرى لدى المقاومة، خاصة أن ذوي أسرى الاحتلال لا يستطيعون التنبؤ بمستقبل هؤلاء الجنود، وهم يخشون أن تختفي المعلومات عن مصيرهم عقودًا وسنوات طويلة".
وكان المتحدث باسم "القسام" أبو عبيدة، قال في 23 تموز (يوليو) 2019م: "هناك فرصة حقيقية لحل قضية الأسرى والمفقودين، إذا كانت قيادة العدو جادةً في فتح هذا الملف، ونحذّر من أنّه قد يكون عرضة للإغلاق نهائيًّا، ولكم في قضية رون أراد عبرةٌ".
ولعائلات الجنود الأسرى قال أبو عبيدة: "عليكم أن تسألوا نتنياهو ويعلون وغانتس أين تركوا أبناءكم، وأن تسألوا رافي بيرتس الحاخام الرئيس للجيش كيف ضللكم وخدّركم بمعلوماتٍ معينة خدمة لأهداف سياسية رخيصة".
وعن استمرار تجاهل حكومة الاحتلال ملف جنودها الأسرى يقول المغاري: "إن هذا يتعلق بصراع الإرادات؛ فكلما شعر الاحتلال أن المقاومة تصر على موقفها، أحدث ذلك نوعًا من التراجع لديه".
ويستبعد قدرة حكومة الاحتلال على طمس ملف الجنود، لكون هناك عائلات تبحث عن أبنائها الجنود، وأن المقاومة من جانبها تثير القضية كل مدة لتعيد الحديث عنه في الرأي العام الإسرائيلي.
ووفق حديث المغاري، إن حدوث تغيير في الحكم لدى الاحتلال قد يحدث حراكًا أكثر نشاطًا بملف الجنود، مشددًا على أنه يجب منح المقاومة الوقت والفرصة الكافيين.
ويكمل: "إن إبقاء المستوى العسكري الإسرائيلي في حالة غموض هو مهارة تمتلكها المقاومة، وكلما خفت الحديث عن ملف الأسرى خرجت بشيء جديد دون الإفصاح بأي معلومة".