حظيت قضية الأسرى في سجون الاحتلال بحيز كبير في تاريخ صراع الشعب الفلسطيني مع الاحتلال، في وقت تمثل صفقات التبادل أداة مُثلى لتبييض السجون، وإجبار الاحتلال على الركوع على قدميه والإفراج عن آلاف الفلسطينيين والعرب المعتقلين في سجونه.
وفي (نيسان) أبريل الماضي أعلنت مؤسسات فلسطينية معنية بشؤون الأسرى أن الاحتلال الإسرائيلي أسر مليون فلسطيني منذ عام 1967م، وأن عدد الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي يبلغ 5700.
في المقابل، أسرت فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية مرات عدة جنودًا من جيش الاحتلال.
وبعد أن كانت عمليات التبادل هذه تبرم في السابق بين دول عربية هي في الأساس ما تعرف بدول الطوق (مصر، سوريا، الأردن، لبنان)، والاحتلال، اقتصرت خلال العقدين الماضيين في الجانب العربي على حركات المقاومة المسلحة في فلسطين ولبنان.
ولا تكاد تمر مناسبة تتعلق بالأسرى إلا وتتعالى مطالبات الأسرى وذويهم بأسر المزيد من جنود الاحتلال، وهو الأمر الذي استجابت له المقاومة الفلسطينية، التي أسرت جنودًا من جيش الاحتلال.
وتعد صفقة وفاء الأحرار أضخم عملية تبادل بين كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، والاحتلال الإسرائيلي بوساطة خارجية.
وكانت "القسام" أسرت في حزيران (يونيو) 2006م الجندي في جيش الاحتلال جلعاد شاليط، واحتجزته على مدار أكثر من خمسة أعوام، وأفرجت عنه بموجب صفقة وفاء الأحرار لتبادل الأسرى بالإفراج عن 1050 أسيرًا من سجون الاحتلال في تشرين الأول (أكتوبر) وكانون الأول (ديسمبر) 2011م.
وفي 20 تموز (يوليو) 2014م أعلنت "القسام" أسرها الجندي في جيش الاحتلال شاؤول آرون، في أثناء تصديها للعدوان البري الإسرائيلي شرق مدينة غزة.
وظهر المتحدث باسم "القسام" أبو عبيدة، في بيان متلفز مقتضب عبر قناة الأقصى الفضائية، في 2016م، وبدت صور أربعة من جنود الاحتلال في مقطع الفيديو، هم: "آرون"، وهدار غولدن، وأبراهام منغستو، وهاشم السيد.
وفي 1985م نجحت الجبهة الشعبية/ القيادة العامة في إطلاق سراح 1150 أسيرًا فلسطينيًّا ولبنانيًّا وعددًا من الأسرى العرب، مقابل الإفراج عن ثلاثة جنود إسرائيليين أسرتهم الجبهة في لبنان.
وأجريت في 1968م أول عملية تبادل بين الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بوساطة من الصليب الأحمر، بعد أن اختطف مقاتلو الجبهة طائرة إسرائيلية تابعة لشركة إلعال، وعلى متنها أكثر من مائة راكب، كانت متجهة من روما إلى (تل أبيب) وأجبروها على التوجه للجزائر، وانتهت العملية بالإفراج عن الركاب مقابل إطلاق سراح 37 أسيرًا فلسطينيًّا من ذوي الأحكام العالية من سجون الاحتلال.
وفي 1983م أجريت عملية تبادل أثمرت إطلاق سراح جميع معتقلي معتقل أنصار الإسرائيلي في الجنوب اللبناني (4700 معتقل فلسطيني ولبناني) في إثر غزو بيروت عام 1982م، و65 أسيرًا من السجون الإسرائيلية، مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين من قوات (ناحال) الخاصة.
وعربيًّا أنجز حزب الله عملية إطلاق سراح عميد الأسرى العرب اللبناني سمير القنطار، وثلاثة أسرى لبنانيين آخرين كانوا قد اعتقلوا في حرب تموز (يوليو) 2006م، وإعادة المئات من رفات الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين، وإطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين، مقابل استعادة الاحتلال رفات جنديين أسرا في عام 2006م.
وبادل حزب الله كيان الاحتلال عبر وساطة ألمانية في 2004م برفات ثلاثة جنود إسرائيليين وضابط الاحتياط إلحنان تننباوم: 400 أسير فلسطيني و23 لبنانيًّا، وخمسة سوريين، وثلاثة مغاربة، وثلاثة سودانيين، وليبي واحد، والمواطن الألماني ستيفان مارك، الذي اتهمه الكيان بالانتماء لحزب الله، ورفات 59 مواطنًا لبنانيًّا، وخرائط الألغام في جنوب لبنان والبقاع الغربي.
وذلك بعض من محطات تبادل الأسرى، وسط تطلعات إلى إنجاز المزيد من الصفقات التي تؤدي إلى تحرر الأسرى من سجون الاحتلال.
ويقول الباحث في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة: "إن التقييم الإجمالي للصفقات جاء مشرفًا، لكونه محطة مهمة في تاريخ المقاومة الفلسطينية والعربية للمشروع الإسرائيلي"، مؤكدًا أنه لا يمكن تجاهل أثرها الإيجابي بإطلاق سراح أسرى قدامى أمام تعنت الاحتلال وإصراره على التمسك بمعاييره القاسية والمجحفة.
ويؤكد فروانة لصحيفة "فلسطين" أنه ليست هناك أي فرصة حقيقية للإفراج عن مئات الأسرى من ذوي الأحكام العالية، إلا صفقات التبادل التي يمكن أن تنجزها المقاومة وتجبر الاحتلال بها على إطلاق سراحهم.
ويبين في الوقت نفسه أن العبرة والأهمية في صفقات التبادل تكمن في إرغام الاحتلال على الخضوع لمطالب المقاومة بإطلاق سراح الأسرى.
وينبه فروانة إلى أن الاحتلال دائمًا يضع استخدام القوة لتحرير أسراه خيارًا أول، وحينما يفشل في ذلك كما حدث في قضية شاليط، يلجأ إلى طرق أخرى من قبيل التضييق الدولي والاقتصادي على الآسرين.
ويتابع: "إذا رأت دولة الاحتلال أن تجنيد الرأي العام الدولي والتضييق الاقتصادي لا يجديان نفعًا في إعادة أسراها؛ تحاول بعدها أن تراوغ وأن تبدي موافقة خجولة على التعاطي مع الآسرين، ثم تبدأ إيضاح موقفها شيئًا فشيئًا وصولًا إلى تلبية مطالب المقاومة، بعد أن تستنفد كل الحلول والجهود لتفادي دفع الثمن المتمثل في إطلاق سراح الأسرى".
ويلفت إلى وجود بعض العوامل التي تساهم في إنجاح عمليات التبادل، مثل طبيعة المكان الجغرافي، قائلًا: "مثلًا في قطاع غزة لم يتمكن الاحتلال من تنفيذ عملية إنقاذ للأسير السابق شاليط، لأن القطاع لا يقع تحت سيطرة جيش الاحتلال، ولوجود قوة للمقاومة يمكن أن تتصدى بقوة لأي محاولة لاقتحام مكان الأسر".
ويشدد فروانة على أن المقاومة الفلسطينية لم تستسلم في تاريخها للاحتلال مع علمها صعوبة أسر الجنود وتنفيذ الصفقات، مبينًا أن ثقافة تحرير الأسرى متجذرة في الوجدان الجمعي للشعب الفلسطيني.
ويكمل حديثه: "هذا يدفعنا إلى التفاؤل حيال صفقة مشرفة أخرى سترغم الاحتلال على إطلاق سراح كبار الأسرى والقدامى منهم، لكن كم سننتظر حتى تنجز؟، الله وحده يعلم".