من الواضح لكل ذي بصيرةٍ أن هنالك بين ظهرانينا نحن الفلسطينيين من لا يزال يُراهن على أن تفضي انتخابات الكنيست إلى خسارة حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، وفوز حزب الجنرالات "أزرق أبيض"، بزعامة بني غانتس، فلا يمكن تقسيم قواها السياسية المكونة إلى يمين ويسار ووسط وما شاكل كما الدول الطبيعية، فكل أحزابها وبصرف النظر عن توصيفاتها الإسرائيلية هي أحزاب صهيونية، وإذا لم يكن هنالك بد من توصيفها فهي تتراوح بين أحزاب يمينية متطرفة وأخرى أكثر يمينية وتطرفاً، وشعور مستوطنيه بأن المستقبل ليس في صالحهم يدفعهم للتصويت للقوى اليمينية الأكثر تطرفاً في الطيف السياسي الصهيوني وعدم التصويت للقوى الأقل تطرفاً حتى لو من ناحية لفظية.
مثال على ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين وهو الذي راهن عليه بعض الفلسطينيين بأنه سيجلب لهم دولة في حدود الخامس من حزيران عام 1967 لو لم يتم اغتياله من قبل متطرف صهيوني عام 1996 لم يكن يقل تطرفاً عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو، ولكنه مع شمعون بيريز مهندس أوسلو من الجانب الإسرائيلي كانا أكثر ذكاء وحنكة ودهاء من نتنياهو في الخداع والتضليل، وإيهام الموهومين بأن الدولة الفلسطينية قادمة لكي يُسلم الشعب الفلسطيني بالاحتلال ويقبل بالهوية الاقتصادية، فنذكرأن إسحق رابين كان كلما اقترب موعد تطبيق استحقاق معين يتوجب على الاحتلال تنفيذه بموجب اتفاق أوسلو، كان يتذرع بحجج واهية ومن ضمنها هجمات كانت تشنها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وأحياناً كثيرة من دون مبررات، لكي يقول لفريق التفاوض الفلسطيني بأن المواعيد بالنسبة إليه غير مقدسة والحقيقة أنها كانت تصب في مصلحه الاحتلال، حيث سار على نهجه في التفاوض رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك الذي أفشل بلاءاته الصهيونية مفاوضات كامب ديفيد مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، فيما أدّت زيارة أرييل شارون وتدنيسه للمسجد الأقصى إلى نشوب الانتفاضة الثانية واغتيال الرئيس ياسر عرفات وبقية القصة المعروفة.
على ضوء ما تقدم فإن من ينتظر الفرج مما أفرزته الانتخابات الإسرائيلية سواء من حزب "الليكود" أو حزب "أزرق أبيض" سوف يطول انتظاره، فغانتس ونتنياهو وجهان لعملةٍ واحدةٍ وصفقة القرن هي سقفها، أما السلام الاقتصادي وآخر تجلياته كان مؤتمر كوشنير في البحرين التطبيعي فهو لذر الرماد في العيون، فلا تسوية سياسية والسلام المنشود ليس في حسبان قادة الاحتلال وإنما بيع للأوهام من أجل تصفية القضية الفلسطينية من جذورها، فكل قوى وألوان الطيف السياسي الصهيوني في (إسرائيل) تتقاطع حول هدف واحد موحد وهو المضي بالمشروع الصهيوني إلى أعلى غاياته، والذي يتمثل بتهويد الأرض الفلسطينية المحتلة وتشريد ما تبقى من الشعب الفلسطيني عن وطنه، إن تسنى لها ذلك، تشديد حصار على غزة وتكتيف الضفة بالاستيطان وتهويد القدس وهدم الأقصى وبناء الهيكل الثالث المزعوم على أنقاضه، وغير ذلك من الأهداف التي تعتبرها الأحزاب الصهيونية ثوابت، وإن كانت ربما تختلف حول سُبل الوصول إلى تلك الأهداف.
لكل من راهن ويراهن بأن يؤدي فوز حزب "أزرق أبيض" بقيادة الجنرال غانتس إلى إخراج المفاوضات من المأزق الذي وصلت إليه بسبب تعنت نتنياهو وقيامه بالتعاون مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإخراج قضايا الحل النهائي المثبتة في اتفاقية أوسلو مثل المستوطنات والقدس والأغوار والمياه والحدود واللاجئين، بصورةٍ رسميةٍ من المفاوضات بعد أن أخرجتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وآخرها حكومة نتنياهو بصورةٍ فعليةٍ من التفاوض من خلال الاستيطان والتهويد وفرض الوقائع على الأرض بالقوة الغاشمة، بأن المشروع الصهيوني في فلسطين لا يعيش اليوم أفضل حالاته، فحكام الاحتلال اعتقدوا أن حال الهزيمة والهوان والضعف العربي والفلسطيني التي أدت إلى اتفاقات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة هي الكلمة الأخيرة في سماء المنطقة، فجاء اشتداد ساعد حركات المقاومة في لبنان وفلسطين وظهور حركات مقاومة جديدة في اليمن والعراق، وتبلورها في محور بقيادة إيران وهزيمة المشروع الصهيو-أميركي-الرجعي العربي لتدمير سوريا، ليضع المشروع الصهيوني في فلسطين أمام أزمة وجودية حقيقية شلّت كثيراً من امكاناته على خوض الحروب الكبيرة والصغيرة حتى مع قطاع غزة المحاصر.