لقد أشرقت بارقة أمل من تونس الخضراء، حيث جرت فيها انتخابات ديمقراطية حقيقية ونزيهة وتوفرت الفرصة لكل الراغبين من رجال ونساء لخوض غمار هذه التجربة الديمقراطية، ونجحت بامتياز وفاز فيها بالنهاية قيس سعيد رئيسا للدولة وسط ترحيب شعبي واسع واعتراف من المعارضة بالهزيمة والقبول بالنتيجة.
ولقد كانت تونس منذ أن أرسى قواعدها المتطورة والمتطلعة إلى ما هو أفضل من الحضارة والتقدم الاجتماعي، رئيسها الراحل والمؤسس الحبيب بورقيبة منطلقا نحو الحياة الكريمة والعيش بحرية. ولقد كانت أيضا سندا قويا لنا ولقضيتنا في كل الأوقات، ويوم اضطر الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى الخروج من لبنان توجه إلى تونس التي استقبلته بكل المحبة والتقدير.
والرئيس الجديد قيس سعيد له مواقف معروفة سابقا وخلال حملته الانتخابية، مؤيدة بكل قوة للقضية الوطنية، وقال خلال مناظرة انتخابية إنه يعارض كل أنواع التطبيع مع الاحتلال. وأضاف أن كلمة تطبيع لا تصف الواقع بدقة وإنما يجب القول عن التطبيع الخيانة الوطنية، وأكد العمل بكل قوة لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس... وهذه مواقف قومية في منتهى القوة وتستحق كل التقدير والاحترام، خاصة في هذه المرحلة ونحن نرى بعض العرب يتسابقون للتطبيع والسماح لكبار المسؤولين الإسرائيليين بزيارة بعض الدول العربية أو قيام بعض العرب بزيارة (إسرائيل) ولقاء قادتها، هذا الموقف إن دل على شيء فإنما يدلل على أصالة وعروبة وشهامة هذا الرجل.
ما أريد قوله إننا كشعب فلسطيني لم نأخذ العبر والدروس من أعدائنا ولا حتى من أشقائنا في إجراء انتخابات ديمقراطية نحتكم بها الى رأي الشعب، فلماذا لا نتعلم من النموذج التونسي في إجراء الانتخابات التي استطاعت أن تصل بها إلى بر الأمان من المأزق السياسي والفراغ الرئاسي اللذين كانا يسودان تونس في الفترة الأخيرة؟!
لا أريد أن أبالغ، فأقل القليل أن أهم نتيجة ستسفر عن إجراء انتخابات حقيقية ستعجل في إنهاء الانقسام، أجل السبيل الوحيد للخروج من مأزق الانقسام هو اجراء الانتخابات الادارية في الضفة والقطاع والقدس, والثاني سبيله الوحيد للخلاص منه: هو بأطلاق باكورة الحوار الوطني الفلسطيني لإنتاج الرؤية الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية التوافقية استجابة لمتطلبات عودة النهوض الوطني الفلسطيني مجددا, وبما يعزز من مكانة منظمة التحرير وصدارتها وقيادتها للمشروع الوطني الفلسطيني وإنجاز مهامها كحركة تحرر وطني، وبذلك نكون قد أعدنا لها سيرتها الأولى.
فالانتخابات الفلسطينية (التشريعية والرئاسية) المزمع اجراؤها, تحتاج وبالدرجة الأولى إلى الإرادة السياسية لأصحاب القرار الفلسطيني في الضفة والقطاع, وتحتاج أيضا إلى التوافق الوطني على الإجراءات الإدارية لإنجازها وترتيبها ونجاعتها, حتى لا تتحول إلى كارثة وطنية – بقصد أو بدون قصد – من انقسام سياسي إداري إلى انفصال إداري وجغرافي سياسي تتكرس فيه الكانتونات الجغرافية الفلسطينية (في الضفة وغزة والقدس), وفي هذه المرحلة التي تتكالب بها قوى الشر والعدوان "إقليمية ودولية" بهدف تصفية القضية الفلسطينية خدمة للمشروع الصهيوني المدعوم دعما مطلقا من الرئيس الأمريكي ترامب وإدارته تواجه تحديات جوهرية تتطلب التعامل معها بإرادة لا تلين مقرونة بحكمة حتى يتم تجاوزها لتصب في تعزيز نضال الشعب الفلسطيني وأهدافه الوطنية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.