"اللي ساترنا الحيطان.. هذه إهانة لأهالي الشهداء".. لم تجد "أم خالد" زوجة الشهيد مازن أصلان سوى تلك الكلمات، بعدما خرجت مكسورة الخاطر خالية وفاضها من الأمل كما في كل مرة؛ من مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى بمنظمة التحرير الفلسطينية.
من مخيم البريج وسط القطاع، جاءت هذه المرة محملة بالأمل الذي ظلت هي وغيرها من أهالي شهداء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014م، يبحثون عنه طيلة خمس سنوات مضت بصرف مخصصاتهم المالية، يطرقون أبواب المؤسسة التي يفترض أن توصل رسالتهم وتصرف مخصصاتهم، لكن "لا مجيب".
لكن حتى هذه المؤسسة لم تسمح لطواقم الإعلام بإجراء مقابلات مع أهالي الشهداء لتغطية اعتصامهم داخل مقرها بمدينة غزة، طاقم صحيفة "فلسطين" كان شاهدًا على قيام موظفين بالمؤسسة، بمنع مراسلي قناة "الغد" الفضائية من إجراء المقابلات، بذريعة عدم حصولهم على تصريح بالتصوير داخل المقر.
شهيد وطن
قرب الساعة الثانية عشرة ظهرًا، قررت زوجة الشهيد أصلان مغادرة الاعتصام والعودة إلى منزلها، ترسم تعابير وجهها حكاية ألم تعيشها على مدار خمسة أعوام، فتقول لصحيفة "فلسطين": "زوجي شهيد عمل ووطن، خلال عمله في بلدية البريج خرج لفتح بئر مياه، بعد انقطاعها لمدة خمسة أيام، وخلال عودته قصفته طائرة استطلاع إسرائيلية ليرتقي شهيدًا".
وتضيف أم خالد وهي تحاول حبس دموعها: "لدي 12 فردًا، أبنائي خريجو جامعات لكنهم عاطلون عن العمل، إلى متى سيبقى حالنا هكذا؟ إلى متى سنبقى على أرصفة الطرقات؟".
وتابع: "في حياته كنت في كل مرة أنزل على السوق أتسوق أقل شيء بـ100 شيكل، الآن لا أذهب إليه، بالكاد نستطيع قلي البطاطا والطماطم.. اللي ساترنا الحيطان".
تجاهل ونسيان
"فش حدا بدور علينا ولا حدا قال وين انتو؟" .. تبدأ كفاح أبو عودة حديثها، عن الدرجات ذاتها.
تقول: "استشهدت ابنتي دعاء (17 عامًا) عام 2014م، برفقة الطفلين اليتيمين محمد وآمنة مطر، اللذين كنا نرعاهما، يومها لم نودع سوى أشلاء من أجسادهم، ومنذ خمس سنوات لم يتم إعمار منزلنا في بيت حانون ونعيش حياة صعبة وقاسية".
قطعت مسافة طويلة قادمة من "بيت حانون" شمال القطاع، إلى مدينة غزة، تحاول إيصال صوتها على أمل أن تتم الاستجابة هذه المرة ويتم صرف رواتب عوائل الشهداء من قبل منظمة التحرير.
هذا العائلة مكونة من خمسة أفراد بينهم طفل يتيم من عائلة مطر، ما زالت تنتظر "رحمة" إنهاء هذه المأساة، مضيفة: "زوجي عاطل عن العمل، ولدي ابن مريض، كل فترة ينام بالمشفى لعدة أيام ونقوم بشراء العلاج على نفقتنا".
تتساءل بحرقة: "لماذا لا يكون لنا راتب لشراء العلاج؟".
بيت لا تزيد مساحته على 80 مترًا مربعًا، يرفع هامته سقف، كما تقول عودة، ما زال شاهدًا على آثار الحرب، يؤوي هذه العائلة التي تتمنى أن يتم إعماره، وإنقاذها من أمطار الشتاء التي تتسرب منه.
على كرسي بلاستيكي تجلس زوجة الشهيد رفيق أبو كلوب، بعد أن جاءت من بيت حانون تحمل رسالة كما غيرها من المعتصمين بصرف مخصصاتهم، تقول: "لدي تسعة أبنائي، أحدهم في الجامعة، ونتيجة الظروف الصعبة التي نمر بها اضطر للجلوس بالبيت وعدم الذهاب لجامعته".
"لا أعرف ماذا أفعل؟ نطالب بحقوقنا فقط".. هذه مطالب عادلة تعدُّها أبو كلوب وغيرها من المعتصمين حقًّا شرعيًّا لهم.
ويعتصم أهالي شهداء عدوان 2014 أسبوعياً أمام مقر مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى بغزة، وسط مطالبات وهتافات غاضبة تطالب بإدراجهم أسوة بشهداء العدوان الإسرائيلي عام 2008، 2012.
ويبلغ عدد شهداء ذلك العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة صيف نحو 2300 شهيد، في حين ترفض السلطة ومنظمة التحرير صرف رواتب لهم أسوة بالشهداء الفلسطينيين، وأن يتم دمجهم ضمن كشوفات مؤسسات رعاية الشهداء لصرف رواتب لهم.