باتت عشرات المنظمات الأهلية في قطاع غزة غير قادرة على الاستمرار والبقاء بالعمل بسبب إجراءات وزارة الداخلية التابعة للسلطة في رام الله، القاضية بتجميد أو إلغاء الحسابات البنكية لعشرات المنظمات الأهلية.
وتشترط السلطة في رام الله على المنظمات الأهيلة، إخضاع مجلس إدارتها للفحص الأمني من قبل ثلاثة أجهزة تتبع لها هي "الأمن الوقائي والاستخبارات والمخابرات العامة" للموافقة على عملها.
وأعربت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية في بيان لها، أول من أمس، عن بالغ قلقها تجاه استمرار وزارة الداخلية في رام الله بتجميد حسابات عشرات المنظمات الأهلية في قطاع غزة، محذرةً من تداعيات هذه الإجراءات على واقع وعمل المنظمات الأهلية.
خدمات مجانية
وقال نائب مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان سمير زقوت: "إن المنظمات الأهلية وفي ظل استمرار القيود والانتهاكات المتشابكة والمعقدة التي تتعرض لها، لن تصمد طويلاً".
وأوضح زقوت لصحيفة "فلسطين" أن استمرار تقليص فضاء عمل المنظمات الأهلية في قطاع غزة يأتي في سياق التصدي لفاعلية وقوة الدور الذي تلعبه هذه المنظمات في مواجهة الانتهاكات الجسيمة والمنظمة التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وقدرة هذه المنظمات على الفعل واستخدام الآليات الدولية المتاحة.
وأكد أن تجميد حسابات المنظمات الأهلية، سيحرم المزارعين من المساعدات المقدمة لهم والتي تمكنهم من الزراعة واستصلاح الأراضي وتزويدهم بمعدات ومشاريع هم بحاجة ماسة لها، إلى جانب توفير بعض احتياجات أطفال الصم والتوحد، وبعض الأدوية والأجهزة الطبية التي تقدمها للمرضى، والاستشارات والمساعدات القانونية، ومتابعة بعض القضايا والشكاوى، وغيرها.
وأشار زقوت إلى أن إغلاق المنظمات الأهلية سيحرم عشرات الآلاف من الخدمات المجانية التي تقدمها، مضيفًا: "إن دور تلك المنظمات مكمل لدور الدولة"، لافتًا إلى أن الخدمات التي تقدمها المنظمات الأهلية تخفف عن كاهل الحكومة في الإنفاق على بعض فئات المجتمع.
وشدد على ضرورة إعادة صياغة العلاقة بين المنظمات الأهلية والحكومة ودوائرها المختلفة على قاعدة احترام القانون والشراكة والتكامل، وتأكيد أهمية القطاع الأهلي لكونه إحدى أذرع التنمية، مع توسيع خيارات هذه المؤسسات؛ كي تتمكن من ممارسة دورها.
ودعا لوقف العمل بالإجراءات والتدابير والقرارات التقييدية التي أقرت خلال فترة الانقسام، ومراجعة القوانين خاصة تلك المتعلقة بالإطار الناظم لعمل المنظمات الأهلية وإزالة كل ما يتعارض مع المبادئ الدستورية والقانون الناظم، وتوحيد القوانين بما يناسب احترام واجبات دولة فلسطيني بموجب الاتفاقيات الدولية التي أصبحت دولة فلسطين طرفاً فيها.
معايير الاعتماد
بدوره أكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن عدم اعتماد المنظمات الأهلية في قطاع غزة، يدمر هذه المنظمات بشكل كامل.
وذكر مصدر مسؤول في المركز لصحيفة "فلسطين" طلب عدم الكشف عن اسمه، أن بعض المنظمات الأهلية لم تستطِع دفع رواتب موظفيها ولم تتمكن من مواصلة برامجها وأنشطتها منذ شهور طويلة؛ لعدم اعتمادها من قبل وزارة الداخلية.
وأشار إلى أن الفحص الأمني يعتمد على معايير تضعها أجهزة أمن السلطة للموافقة على أعضاء المنظمات الأهلية من بينها الانتماء الحزبي وقضايا أخرى جنائية "وهي غير موجودة"، على حد قول المركز.
تقييد العمل
من جهتها اتهمت شبكة المنظمات الأهلية في قطاع غزة، وزارة الداخلية في رام الله، بـ"تجميد حسابات عشرات المؤسسات العاملة بالقطاع".
وقال رئيس الشبكة أمجد الشوا: إن "وزارة الداخلية في رام الله، تواصل تجميد الحسابات البنكية لعشرات المنظمات الأهلية في غزة"، محذرًا من تداعيات هذا الإجراء على أنشطة المؤسسات.
وأضاف الشوا في تصريح لوكالة الأناضول للأنباء: "تلقينا عشرات الشكاوى من المنظمات الأهلية في غزة، حول تجميد حساباتها البنكية في البنوك العاملة بالقطاع؛ الأمر الذي يهدد الخدمات التي تقدمها وكذلك التزاماتها تجاه قطاعات المستفيدين والموردين والممولين، الأمر الذي يقوِّض من عملها وتأدية دورها في تعزيز صمود المواطن الفلسطيني".
وبين أن بعض البنوك العاملة بغزة "ترفض فتح حسابات بنكية للمنظمات الأهلية المسجلة حديثاً؛ على الرغم من حصولها على شهادات التسجيل المطلوبة من وزارة الداخلية برام الله".
ودعا سلطة النقد إلى الضغط على البنوك من أجل فتح حسابات بنكية للجمعيات الجديدة المسجلة حسب القانون، والحد من إجراءاتها التي تقيد عمل المنظمات الأهلية.
سلطة النقد
من جانبها، نفت وزارة الداخلية في رام الله، تجميد أو إلغاء الحسابات البنكية للمنظمات الأهلية بغزة.
وقال مدير عام المنظمات الأهلية والشؤون العامة في الوزارة، عبد الناصر الصيرفي: "إن الوزارة ليست صاحبة الاختصاص في إلزام المصارف العاملة في دولة فلسطين بإغلاق أو تجميد أي حساب بنكي لأي جمعية أو هيئة مسجلة لدينا".
وأضاف الصيرفي في تصريح له: "دور الوزارة يقتصر فقط على منح كتاب اعتماد لجنة مالية للجمعية لغايات فتح حساب بنكي لدى المصرف المعتمد من قبل الجمعية، وأن الجهة المسؤولة الوحيدة عن متابعة الحسابات البنكية الموجودة لدى المصارف العاملة في فلسطين هي سلطة النقد؛ باعتبارها صاحبة الإشراف والرقابة والتدقيق على عمل المصارف".