كشف تقرير حقوقي، النقاب عن تعرض الأسرى الفلسطينيين في سجون ومستشفيات الاحتلال الإسرائيلي، لعمليات تعذيب ممنهجة، ارتكبها أطباء إسرائيليون جنبا إلى جنب مع جهاز المخابرات الإسرائيلي الـ "شاباك".
جاء ذلك في تقرير صادر عن منظمة "أطباء لحقوق الإنسان" (إسرائيلية غير حكومية)، نشر اليوم الثلاثاء في مجلة "972" العبرية.
وبحسب التقرير، فإن سياسة الـ "شاباك" في الكذب لم تتغير، فطوال السنين الماضية نفى قيامه بتعذيب الأسرى الفلسطينيين، إلا أن الجديد ما كشفته المعلومات الواردة للمنظمة، بقيام الأطباء الاسرائيليين بدور نشط في تعذيب الأسرى الفلسطينيين، من خلال المشاركة في الاستجواب بصورة وحشية، بالإضافة إلى كتابتهم تقارير طبية كاذبة.
وذكر التقرير أنه في عام 1993 نفى الـ "شاباك" قيامه بتعذيب الأسير الفلسطيني حسن الزبيدي بوحشية، وردا على تلك الاتهامات، قال قائد المنطقة الوسطى في الجيش آنذاك يوسي بيلد: "إنه لا يوجد تعذيب في (إسرائيل)"، مضيفا "لقد خدمت 30 عاما في الجيش وأعرف ما أتحدث عنه".
وأشار إلى أنه بعد 26 عاما من هذه القضية، كرر نائب رئيس الـ "شاباك" السابق، يتسحاق إيلان، نفس الكذب، جراء ما حدث للأسير سامر عربيد، وهو أسير فلسطيني يبلغ من العمر 44 عامًا، تم نقله إلى المشفى مؤخرا في حالة حرجة بعد تعرضه للتعذيب على أيدي الـ "شاباك".
وينقل التقرير عن رئيس منظمة "أطباء لحقوق الإنسان" روشاما مارتون، قوله: "وبتنحية هذه الأشكال السخيفة من الإنكار، كطبيب ومؤسس للمنظمة، كنت دائمًا منزعجًا من كيفية تعاون الأطباء الإسرائيليين مع صناعة التعذيب في (إسرائيل) وتمكينها".
وكشف عن وجود وثيقة طبية لجهاز المخابرات الإسرائيلي يقدمها طبيب الـ "شاباك" حول ما إذا كان الأسير المعني لديه أي قيود طبية عندما يتعلق الأمر بإبقائه في عزلة، أو ما إذا كان يمكن ربطه، أو ما إذا كان يمكن تغطية وجهه، أو ما إذا كان يمكن إجباره على الدفاع عن نفسه فترات طويلة من الزمن.
وأضاف أن "شاباك" نفى وجود مثل هذه الوثيقة على الإطلاق، ولكن بعد أربع سنوات ظهرت وثيقة ثانية، تطلب من الأطباء التوقيع على التعذيب وفقًا لعدة بنود متفق عليها مسبقًا.
ونشرت الوثيقة الأولى إلى جانب وثائق أخرى، في كتاب بعنوان "التعذيب: حقوق الإنسان والأخلاقيات الطبية وحالة (إسرائيل)"، لكن تم حظر بيع الكتاب.
أطباء الطوارئ
وكشف التقرير أن الأطباء العاملين في جهاز الـ "شاباك" وإدارة السجون، ليسوا وحدهم الذين يتعاونون في تعذيب الأسرى الفلسطينيين، ولكن أيضا الأطباء في أقسام الطوارئ في المستشفيات الإسرائيلية يتعاونون في تعذيب الأسرى الفلسطينيين من خلال كتابتهم تقارير طبية مزيفة وفقا لمطالب جهاز "شاباك".
وأشار في هذا الصدد إلى حالة الأسير نادر قمصية من مدينة "بيت ساحور" بالضفة الغربية والذي تم اعتقاله من منزله في 4 أيار/مايو 1993 ونقل إلى مستشفى "سوروكا" الطبي في مدينة بئر السبع بعد خمسة أيام من اعتقاله حيث قام طبيب المسالك البولية بتشخيص النزيف وكيس الصفن الممزق، حيث شهد قمصيه أنه تعرض للضرب أثناء استجوابه وركله في خصيتيه.
وبعد عشرة أيام، أحضر قمصية إلى طبيب المسالك البولية نفسه لإجراء فحص طبي، بعد أن تلقى الأخير مكالمة هاتفية من جيش الاحتلال كتب أخصائي المسالك البولية خطابًا بأثر رجعي (كما لو كان قد كتب قبل يومين)، دون إجراء فحص إضافي للمريض، وقال إنه "وفقًا للمريض، فقد سقط على الدرج قبل يومين من اعتقاله".
وأضاف أن "قضية الأسير قمصيه إلى جانب عدد لا يحصى من الحالات، تعكس الفشل الأخلاقي والمعنوي والعملي للمؤسسة الطبية في (إسرائيل) إزاء التعذيب".
وأكد التقرير الحقوقي أن "التعذيب - الذي يشمل القسوة العقلية والجسدية - لا يزال يحدث على نطاق واسع، لأن الهدف الحقيقي من التعذيب والإذلال هو كسر روح وجسد السجين للقضاء على شخصيته".
وأشار إلى أن وثيقة الـ "شاباك" التي يوقع عليها أطباء المتعاونين معه، تسمح بحرمان الأسير من النوم، وتتيح للمحققين تعريض الأسرى لدرجات حرارة قصوى، وضربهم، وربطهم لساعات طويلة في أوضاع مؤلمة، وإجبارهم على الوقوف لساعات حتى تنفجر الأوعية الموجودة في أقدامهم، وتغطية رؤوسهم لفترات طويلة من الزمن، وإذلالهم جنسيا، لكسر معنوياتهم عن طريق قطع علاقاتهم بالعائلة والمحامين، وإبقائهم في عزلة حتى يفقدون عقلهم.
وأكد أن موافقة الأطباء على هذه الوثيقة تعني أن الأطباء هم الذين يشرفون على التعذيب، ويفحصون الأسير المعذب، ويكتبون الرأي الطبي أو تقرير الأمراض، مشددا على أن الطبيب الذي يتعاون مع صناعة التعذيب الإسرائيلية متواطئ في هذه الصناعة وفي حال مات الأسير أثناء الاستجواب، يكون الطبيب شريكًا في قتله، والأطباء والممرضات والطاقم الطبي والقضاة الذين يعرفون ما يحدث ويفضلون الصمت هم جميعهم شركاء.
وطالبت منظمة أطباء لحقوق الإنسان الأطباء الإسرائيليين برفض التعاون مع جريمة التعذيب.
يشار إلى أن 221 أسيرا فلسطينيا استشهدوا منذ عام 1967، وفق مؤسسات حقوقية فلسطينية، بعد تعرضهم للتعذيب أثناء التحقيق في أقبية التحقيق التابعة لجهاز المخابرات الإسرائيلي الـ "شاباك"، من بينهم 65 أسيرًا استشهدوا نتيجة لسياسة الإهمال الطبي.